دم على المريول الأبيض!

لا نعرف هل يسمع المواطن قبل المسؤول ما نكتبه، أو يعي التحذيرات التي تطلق في هذا المجال أو ذاك؟ أخشى أن ما يُكتب ينطبق عليه القول: لقد أسمعت لو ناديت حياً.. ولكن لا حياة لمن تنادي!
قبل سنوات، وعلى صفحات "الغد"، كتبنا عدة مقالات تحذر من الانفلات الأمني، ومن حالة الاعتداء على موظفي الدولة بشكل عام، وعلى وجه الخصوص ظاهرة الاعتداء على العاملين في حقل التمريض والطب. فقد سبقت حالة مقتل الطبيب محمد أبو ريشة، حوادث كثيرة لحالات اعتداء، وكانت قاصمة الظهر هذه المرة قتل الطبيب أبو ريشة بدم بارد، في فعل يحاكي بطريقته أفلام هوليوود!
هل يتطلب الأمر لحماية الطبيب والممرض والعامل أو الموظف في قطاع من قطاعات الدولة، وجود حارس شخصي أو رجل أمن؟
الإجابة بالضرورة ستكون بالنفي. لكن ما هذا التحول في نفسيات بعض الناس في بلدنا؟ التحول نحو الانفلات والتجرد من كل القيم التي يحملها الأردنيون، والميل إلى العنف وحل المشاكل عبر السلاح! هل هو عدم إيمان بقوة الدولة، أم أن من ينحو إلى مثل هذه السلوكات يعتقد أنه فوق القانون، يستطيع أن يفعل ما يريد، طالما أن الناس في البلد أصبحوا، وبكل تجرد، "خيارا وفقوسا" أمام القانون؟
مقتل الطبيب محمد أبو ريشة، فتح الباب على المسكوت عنه في واقع المجتمع الأردني، ووضعنا أمام حقيقة هشاشة البنية القيمية والقانونية في المجتمع والدولة، بما يستدعي مراجعات حقيقية لهذه التحولات الخطيرة التي تهدد بنية الدولة الأمنية، والمجتمع في سلمه الاجتماعي!
قبل فترة ليست بالطويلة، كتبنا عن احتلال عمان من قبل بعض الأفراد الذي يأخذون "الخاوة" من الناس بطريقة غير مهذبة؛ من خلال إجبارهم على ترك سياراتهم لهذه الجماعات من أجل تأمين موقف لأصحاب هذه السيارات. وللحق، قامت أمانة العاصمة بواجبها لتطهير عمان منهم. لكن ما لبثت هذه الجماعات أن عادت إلى نفس أفعالها بطريقة جديدة! فمثلا، لو أنه اتخذت إجراءات عقابية رادعة بحقهم، لما تكرر هذا المشهد، ولـ"أتبع الرأس بالذنب". لكن لم يحدث ذلك!
واقع الحال ينطبق على العاملين في سلك الصحة، وباقي قطاعات الدولة. فالإجراءات العقابية غير كافية أو رادعة لمثل هذه السلوكيات التي تُوجت بمقتل الضحية الطبيب محمد أبو ريشة. فهل نحن بحاجة إلى عشرات الضحايا حتى نقتنع أن قوة القانون الرادعة بحق من يتطاول على موظفي الدولة أو أي مواطن، بحاجة إلى إجراءات عقابية حقيقية وفاعلة ضد مثل هذه الأفعال، بحيث يشعر من يُقدم على مثل هذه الأعمال المريضة والشاذة في مجتمعنا، أنه ستقع بحقه عقوبات تؤدبه وتؤدب غيره من هؤلاء النفر المتهور؟!
مقتل الطبيب أبو ريشة حدث جلل لا يمكن بعده السكوت عن هذه الظواهر. والمثل العامي الأردني يقول: "اضرب المربوط.. ليتأدب من في الزرع"!