خير.. إن صدقت الرؤية

قبل أكثر من عام، وتحديداً في آذار (مارس) 2014، وجّه جلالة الملك حكومة د. عبدالله النسور لوضع تصور مستقبلي واضح للاقتصاد الأردني، على امتداد السنوات العشر المقبلة.
الآن، بعد مضي نحو 15 شهراً على التكليف، أصبحت "الرؤية" جاهزة، وتم إطلاقها برعاية ملكية يوم أمس، في احتفال مهيب حضرته جميع المؤسسات المعنية بتنفيذ "الرؤية"؛ إذ تواجد ممثلو هيئات السلطة التنفيذية، كما ممثلو السلطة التشريعية.
الجهد الذي بُذل في إعداد "الرؤية"، منذ اليوم الأول للتكليف الملكي، تولاه وزير الطاقة والثروة المعدنية حالياً، د. إبراهيم سيف، حينما كان يشغل موقع وزير التخطيط والتعاون الدولي، قبل أن يتسلم منه المهمة عماد فاخوري عقب توليه حقيبة "التخطيط" بموجب التعديل الأخير على حكومة د. النسور، قبل شهرين.
إلا أن فكرة وضع رؤية اقتصادية للعقد المقبل، لا تلقى ذاك القبول من كثيرين في أوساط نخب دولة من دول العالم الثالث، لاسيما وهي تقع في القلب من إقليم يمور بالأزمات والحروب. الأمر الذي عبّر عنه رئيس الوزراء في كلمته الافتتاحية خلال الحفل. فكلام د. النسور يلتقي مع الرأي القائل بأن أفكاراً ومبادراتٍ من هذا النوع لم تطبّق في الأردن إبان "أيام الخير"، فما حاجتنا لمثلها في "أيام الشدّة"، والمتغيرات الكبيرة والسريعة؛ محليا وإقليميا!
لكن "الرؤية" أُعلنت، فصارت اليوم واقعا، ومعلومة للناس والمجتمع الذين سمعوا آلاف المرات من كل الحكومات المتعاقبة أنها ستبذل الغالي والنفيس لأجل تحسين أوضاعهم. ومن ثمّ، فقد أمسى هذا الكلام "الجميل" ذا كلفة، في الحاضر والمستقبل، وبما يلقي بالكثير من المسؤوليات على كاهل مختلف السلطات.
مصير "الرؤية" يحتمل أكثر من سيناريو. الأول، أن تتوحد جهود الجميع لتنفيذها، وضمن ذلك معالجة الاختلالات التي تعترض المهمة. والدافع لذلك هو إدراك حقيقي بأن المواطن لم يعد قادرا على تحمل مزيد من الخذلان، وبحيث يجري العمل من دون كلل، حتى نشهد واقعا اقتصاديا مختلفا بعد عقد من الزمن. ولهذه النتيجة منافعها البدهية، لناحية إشباع تطلعات المجتمع، والانتقال إلى مرحلة جديدة من بناء الأردن.
أما السيناريو المقابل المتشائم، فهو أن تنتهي هذه الوثيقة إلى مصير الحفظ في الأدراج، أو على الأرفف حيث يأكلها الغبار. والخسائر المترتبة على مثل هكذا مصير لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستتسع لتصب في توسيع أزمة الثقة بالحكومات، والتي بتنا نلمس نتائجها منذ سنوات، مع ما لذلك من نتائج كارثية على مزاج الأردنيين عموماً، وقد بلغوا حد القنوط من كل وعود الحكومات.
مرة أخرى، لم يعد المواطن يحتمل الوعود الحكومية المطلقة في الهواء. وقبل ذلك، هو لا يريد أن يرى أو يسمع عن خطط واستراتيجيات ورؤى لا تنعكس على حياته.
وضع الرؤية-الاستراتيجية، بناء على تكليف الملك للحكومة، يؤشران إلى القلق الملكي من صعوبة الظروف المعيشية للمواطن الأردني، وحرص جلالته الدائم على تغيير الواقع الاقتصادي والخدمي القائم. هذا بالإضافة إلى إعادة تذكير الحكومات، في أكثر من مناسبة، بأن دورها الرئيس هو تحسين حياة الناس والخدمات المقدمة لهم.
رعاية الملك لإطلاق "الرؤية" هو امتحان جديد للسلطة التنفيذية، نرجو أن تتجاوزه حكومات العقد المقبل، بأن تتمكن من تنفيذ تطلعات الملك والمواطن.