هل تسبق الحكومة النقابات في الإصلاح؟!

مرة أخرى، فازت القائمة البيضاء (إسلاميون ومستقلون) بجميع مقاعد مجلس نقابة المهندسين، إضافة إلى موقع النقيب. وهو فوز نظيف لا غبار عليه، نبارك لهم به. لكن استمرار الهيمنة المطلقة لطرف واحد على النقابة، هو مشكلة. وفي الانتخابات الأخيرة، يوم الجمعة الماضي، حصلت القائمة الخضراء (تقدميون ومستقلون) ورئيسها لموقع النقيب، على 43 % من أصوات الناخبين، مقابل 57 % تقريبا للقائمة البيضاء ورئيسها. ومن المفهوم أن يذهب موقع النقيب لمن حصل ولو على صوت واحد زيادة على منافسه، لكن عضوية المجلس لا يجوز أن تستبعد 43 % من القاعدة الانتخابية من التمثيل، هذا مع الأخذ بالاعتبار أن الذين شاركوا في الانتخابات هم بمجموعهم أقل من خُمس المهندسين الأعضاء. وهذا يوضح لماذا طالبنا دائما باعتماد التمثيل النسبي في الانتخابات لكبرى النقابات المهنية وأقواها وأغناها، وكذلك لبقية النقابات المهنية.
مجلس النقابة بهذه الصيغة، يمثل ما لا يزيد على 12 % من المهندسين. طبعا الشيء نفسه سيحدث لو فازت القائمة الخضراء؛ فنحن لا نتحدث عن جهة بعينها، بل عن ضعف التمثيل وشرعية التصرف بقضايا المهندسين وأموال النقابة بهذا التمثيل الضعيف. ونحن نعرف أن هذه مشكلة عامة، فالإقبال على الانتخابات في النقابات المهنية أصبح يشمل في معظم النقابات أقل من نصف الأعضاء، لكن أدنى نسبة هي بالفعل في نقابة المهندسين. ويبدو أن الطرف المهيمن على النقابة لم يعد يضيره ذلك، بل ربما يستفيد منه؛ فالإسلاميون بنوا شبكة قوية من العلاقات والمصالح، تمثل منذ سنوات هذه النسبة، أي حوالي 10 % من المهندسين، يمكن تعبئتهم للانتخابات، ومن الأفضل عزوف الباقي عن المشاركة.
الإحساس بالانفصال عن النقابة، وكذلك بعدم جدوى المشاركة، تكرس وأصبح يمثل مشكلة لبقية القوى وللمستقلين في إقناع الناس بالمشاركة في نقابة ينفرد طرف واحد، منذ عقدين، بقيادتها. ونحن نعرف أن السلطة الدائمة مفسدة، وهناك قضايا فساد في المحاكم الآن، وتشكو الأطراف الأخرى من تصرف قيادة النقابة بالإمكانات الهائلة للنقابة لمصالح سياسية؛ ليس على مستوى النقابة فحسب، بل على المستوى العام في البلد.
منذ سنوات، وافق التيار الإسلامي في النقابة على إصلاحات معينة، تشمل تغيير النظام الانتخابي. لكن ما تحقق كان فقط إنشاء الهيئة المركزية. وهي هيئة موسعة، تضم ممثلي الشعب والفروع، كمرجعية لمجلس النقابة، في ظل استحالة جمع هيئة عامة تضم عشرات الآلاف من الأعضاء. لكن التيار راوغ وتمنع في تنفيذ الإصلاح الأساسي؛ بتغيير النظام الانتخابي الذي يعطي معنى لوجود الهيئة المركزية، بتمثيلها جميع مكونات النقابة بطريقة متناسبة وعادلة.
النقابات المهنية كانت قلعة للديمقراطية والمشاركة، ونموذجا يحتذى. لكن هذا الدور بهت وتراجع. ومشكلة الانتخابات النقابية أصبحت مثل مشكلة الانتخابات العامّة في الأردن، وأسوأ، من حيث تدني نسبة المشاركة والتمثيل. فكما نعرف، فإن نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية العامّة تدور حول 50 %، ثم إن نسبة 27 % تقريبا فقط من الناخبين ينجح مرشحوهم في الانتخابات، فننتهي إلى مجلس نواب يمثل نسبة ضئيلة من المواطنين، تقل عن 20 %، وهو ما جعل قضية تغيير النظام الانتخابي ضاغطة باستمرار. وها هي الحكومة، أخيرا، بصدد الاستجابة وتقديم نظام انتخابي يقوم على التمثيل النسبي في المحافظات. وهكذا، فإن الحكومة ستسبق النقابات، وتكون أكثر تقدمية منها، بفعل تمسك التيار الإسلامي بالنظام الانتخابي القديم.