ذِكر الله عبادة وسعادة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى :" فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون".
خلق الله النفس البشرية وجعل فيها الغرائز وانزل معها ولها برنامجاً ربّانياً لصلاحها وسموها فهو خالقها العالمُ بما يصلحها فإذا اخذت بهذا البرنامج والتزمت به صلحت وسعدت وسمت حتى تكون كالملائكة، وإذا لم تأخذ بهذا البرنامج ولم تلتزم به فسدت وشقيت وانحطت حتى تكون كالبهائم أو أضل سبيلا.
إن أحد بنود برنامج صلاح هذه النفس وسعادتها وسموها هو ذكر الله سبحانه وتعالى .. ولمعرفته بهذه النفس "الأمارة بالسوء" أوجب محطات متقاربة لتتزوّد هذه النفس منها بطاقة الصلاح والسعادة والسمو مثل صلواتٍ خمس في اليوم الواحد .. وتقارب هذه المحطات وتعددها في اليوم الواحد يعني أن النفس بحاجة ماسة لهذا التقارب في محطات التزوّد لأن التباعد فيها أو تركها يضر بهذه النفس.
كما أن لدينا أمر إلهيّ بتلاوة القرآن الكريم، قال تعالى
:" ورتّل القرآن ترتيلاً" وهذا أيضا لا بد أن يأتي في الفترة الواقعة بين الصلوات الخمس .. كما جعل الله تبارك وتعالى شهر رمضان محطةً ممتدة للتزود الروحاني وكذلك الحج والعمرة.
وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسبيح في نهاية كل صلاة مفروضة.
كما أمرنا الله تبارك وتعالى بالاستغفار بقوله :" وقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا" وأوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة الاستغفار وهذا يأتي أيضاً في الفترة الواقعة بين الصلوات.
وهناك من اعمال الذكر والدعاء وصلاة النوافل ما يجعل النفس البشرية مشغولة على الدوام بذكر الله سبحانه وتعالى إلا في مواضع نادرة أوقاتها قليلة تحتاجها هذه النفس لطبيعتها البشرية.
تستحق النفس أن يقال لها "يا أيتها النفس المطئمنة ارجعي إلى ربكِ راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" عندما تكون قد لازمت ولزمت ذكر الله سبحانه وتعالى "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله :"وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر" أي أن الذكر بأنواعه إنما هو تطهيرٌ للنفس وتزكية لها وارتقاء بها
"قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها".
ومعلومٌ أن الذكر يطرد الشيطان أما الغفلة فهي مساحة من الوقت يشغلها الشيطان، ومعلوم أن القلوب تصدأ كما تصدأ المعادن وصدأ القلب سببه الغفلة والذنب وجلاؤه الذكر والاستغفار، قال تعالى :" وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون".
قال أبو الدرداء رضي الله عنه : لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله.
وعن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخيرٌ لكم من انفاق الذهب والفضة ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم أو يضربوا أعناقكم، قالوا بلى يا رسول الله، قال : ذكر الله عز وجل"، لكن هذا الحديث لم يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه الكرام من جهاد الكافرين أو دفع المعتدين وكيف لنا أن نحرر فلسطين؟.
وعن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لو انكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما تُرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطانا" وكأنه لا داعي للعمل.
لكن الطبيعة التي خلق الله الناس عليها مفطورة ومجبولةٌ على الحركة والعمل وطلب الرزق والدفاع عن النفس وعن الوطن وعن الدين، والمسلمون يتفاوتون في ذلك وهم على درجات " كلٌّ ميسّر لما خُلق له" فمنهم من هو في الشجاعة مثل حسان بن ثابت ومنهم من هو مثل خالد بن الوليد ومنهم من هو في الغنى مثل أبي هريرة ومنهم من هو مثل عبد الرحمن بن عوف وكلهم صحابة مؤمنون أجلّاء.
وليس من الإسلام أن يقعد المسلمون جميعا عن الجهاد ويجلسون للذكر ولذلك كان الصحابة يجاهدون وقائدهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جابوا الأرض بجهادهم لكن أيضاً للذكر وقته وربما يكون دائماً عند بعض المسلمين من أصحاب الأعذار.
كما أنه ليس من الإسلام أن يقعد المسلمون جميعاً عن طلب الرزق فكيف تعمر الحياة، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يزرعون ويتاجرون لكنَّ فئة من المسلمين هم أهل الصّفّة كانوا يجلسون في المسجد متفرغين للصلاة والذكر ولا يعملون ولا ضير في ذلك للبعض لكن دون أن تؤثر نسبة هؤلاء على إعمار الحياة أو نصرة الدين.
ومن الأسباب المساعدة على الذكر الجماعة والصحبة الطيبة المؤمنة والتركيز في قراءة القرآن على سور معينة وأيات معينة وأدعية محددة وردت في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم .
أما ذكر الموت فهو تذكير بالله سبحانه وتعالى القادر على كل شي، قال تعالى :" قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكُّل بكم ثم إلى ربكم ترجعون" وقال صلى الله عليه وسلم :" أذكروا هادم اللذات"، وهذا يعني أن ذكر الموت يساعد النفس على خشية الله سبحانه وتعالى.
والناس على صنفين في ذكرهم لله سبحانه وتعالى، ذكر المُحبّين الذين يقولون أن الإسلام دين الحب وهم يعبدون الله ويشكرونه حتى لو لم يكن عنده جنة ولا نار لأنه يستحق العبادة والحمد والشكر على أي حال كانوا، وذكر الخائفين الطامعين خوفا من ناره وطمعا في جنته وكله محمود.
قد خلق الله الخلق ليعبدوه " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" وجعل في عبادته سعادتهم.
ضيف الله قبيلات