مغزى الدور الأردني في العراق

ربما تكون بعض شحنات الأسلحة من الأردن، وإن بكميات محدودة، قد وصلت إلى المتطوعين لقتال تنظيم "داعش" في مناطق غرب العراق. واشنطن من جهتها أرسلت، عن طريق حكومة بغداد، كميات من السلاح للمقاتلين السُنّة، ومن المتوقع تسليمها قريبا.
لكن ما يخشاه المراقبون هو أن تقوض الحساسيات الطائفية في العراق جهود الأردن ودول التحالف، والرامية إلى بناء حالة من التوافق الوطني، بوصفها شرطاً لا بد منه لخوض معركة حاسمة ضد "داعش".
بالنسبة للأردن، حملت التطورات الميدانية قرب حدوده أخبارا مقلقة، لا يمكنه بعدها الوقوف متفرجا على خلايا "داعش" وهي تتمدد في المناطق المحاذية. ولعل تفجير الرطبة الأخير كان أخطرها.
كما أن انسحاب معظم الدول العربية "الخليجية" من عمليات التحالف ضد "داعش"، فرض على الأردن المبادرة إلى تبني خطوات من طرف واحد لحماية حدوده، وتأمين الجبهة الشرقية، في وقت تنبئ تطورات الجبهة الشمالية "سورية" بأحداث كبيرة.
ينسق الأردن كل خطواته في العراق مع واشنطن. هذا أمر واضح للعيان، وهو ضروري لتحقيق أهداف التحرك العسكري والأمني، خاصة وأن الولايات المتحدة تلعب الدور القيادي في التحالف، مثلما تدير العلاقة المعقدة مع حكومة بغداد.
في الأيام القليلة الماضية، صدرت تصريحات سلبية من شخصيات قيادية محسوبة على الحكومة العراقية، تجاه دور الأردن في تسليح أبناء العشائر السُنّية. لقد بدا الأمر مفاجئا للكثيرين هنا؛ لأن كل ما خطط له الأردن بهذا الخصوص، تم بتنسيق مسبق مع حكومة حيدر العبادي، وليس من وراء ظهرها كما توحي تلك التصريحات.
العبادي زار عمان، وكذلك وزير دفاعه وكبار القادة السياسيين والعسكريين. ورد كبار المسؤولين الأردنيين بزيارات مماثلة لبغداد. ولم يكن هناك ما يوحي بوجود خلافات حول برامج التعاون بين البلدين لتحقيق هدف مشترك، يتمثل في القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي.
الأردن مد يده للقوى الشيعية في العراق قبل السُنّية. وإن كان هناك من مشكلة اليوم تعيق التعاون، فهي في بغداد وليس عمان. حكومة العبادي تصارع الضغوط بأكثر من اتجاه؛ فبينما يُظهر رئيسها رغبة في جعل معركة الأنبار مواجهة عراقية شاملة مع الإرهاب، يسعى البعض إلى صبغها بلون طائفي، يجعل منها حربا خاسرة إن نجح في مسعاه هذا.
الأردن يبدو في هذا الموضوع بالتحديد أكثر فهما لخصوصية معركة الأنبار من بعض التنظيمات العراقية، التي تتجاهل الحاجة إلى بناء جسور الثقة مع المجتمع المحلي كأساس لنجاح الحملة العسكرية.
الدور الأردني في العراق يحقق هدفين استراتيجيين؛ الأول، منع الجماعات الإرهابية المسلحة من وضع قدم لها على الحدود بين البلدين، والانتقال تاليا إلى تخطي الحدود، وتعريض الأمن الوطني للخطر. والثاني، مساعدة العراقيين الرازحين تحت حكم الجماعة الإرهابية على التخلص من هذا الكابوس المرعب، والتحرر من جحيم "داعش".
وخلافا لما يعتقده كثيرون في الخارج، فإن الأغلبية الساحقة من السُنّة العراقيين في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، يرغبون في القضاء على التنظيم، اليوم قبل غد. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مرصد عراقي، ونشرت نتائجه صحف عربية منذ يومين فقط، أن 97 % من أفراد العينة (1200 شخص) ممن يقيمون في مدن وبلدات يسيطر عليها التنظيم، يرفضون نظام حكمه، ويتوقون إلى التحرر من قبضته الوحشية.