"كعب أخيل" النسور!

أصبح واضحاً أنّ الوضع الاقتصادي هو بمثابة "الجزء القاتل" لدى حكومة د. عبدالله النسور، وهي تدخل عامها الثالث، بصيغتها الثانية؛ إذ تزداد الانتقادات من جهات متعددة لسياسات الحكومة على هذا الصعيد، ولتردّي الوضع الاقتصادي.
أبرز الانتقادات تأتي عبر قطاع الصناعيين ورجال الأعمال الأردنيين. وكانت غرفة صناعة الأردن قد اعتذرت عن لقاء الرئيس مساء أمس، في إشارة إلى حجم الاحتقان لدى هذا القطاع الكبير.
هناك أزمة كبيرة متنامية في هذا المجال. إذ لا يوجد استثمار خارجي، بينما يعاني الاستثمار الداخلي من صعوبات شديدة. ويؤكد مستثمرون محليون كبار أنّ هناك مئات المصانع والشركات التي أغلقت نتيجة للركود الحالي، ولعدم وجود محفّزات وإعفاءات حكومية لهم أسوة بالاستثمار الخارجي.
السؤال: هل ستؤدي هذه الانتقادات المتزايدة والمتدحرجة، والتي تركّز على "كعب أخيل" الحكومة الحالية، إلى التعجيل برحيلها فعلياً، بعد أن كان طموح "مطبخ القرار" بأن تمكث المدة الكاملة لعمر مجلس النواب (4-4 أعوام)، أو تذهب عبر سحب ثقة المجلس فيها (شكلياً)؟!
ذلك ممكن. وربما هذا ما يجعل النخب السياسية تتوقع أنّ البديل سيكون رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، الذي يكاد يكون الوحيد في النخبة السياسية، القريبة من الدولة، الذي ينشط علناً في انتقاد السياسات الحكومية الراهنة، والتحذير من خطورة الوضع الاقتصادي والمديونية وارتفاع نسبة البطالة، كما مهاجمة تعديلات التشريعات التي أُقرّت في عهدها، من مثل قانون الاستثمار.
من يتابع "الماكينة الإعلامية" للرفاعي، سيلاحظ أنّ هناك تركيزاً على نقطتين رئيستين: الأولى، أنّه لم يأخذ وقته كافياً (مدة حكومتيه عام وشهران تقريباً، منذ كانون الأول (ديسمبر) 2009 وحتى شباط (فبراير) 2011)، بخاصة وأنّه جاء في أجواء الثورات العربية والحراك الشعبي. والثانية، أنّه يحمل رؤية اقتصادية بديلة، تمثّل خريطة طريق للخروج من الوضع الاقتصادي الراهن.
سأترك النقطة الأولى (وإن كانت متخمة بالملاحظات والنقاش، خاصة بشأن موقف الرفاعي من الديمقراطية وقانون الانتخاب والحريات الإعلامية)، وأتوجه إلى النقطة الثانية التي يركز عليها هو، والمتمثلة في الجانب الاقتصادي؛ لأطرح السؤال فيما إذا كان الرجل يملك فعلاً مفاتيح رؤية اقتصادية مقنعة للخروج من الوضع الراهن؟!
هنا، ثمّة وجهتا نظر. الأولى، وهي قريبة من خط الحكومة، تحمّل الأوضاع الإقليمية المضطربة المسؤولية الكبرى عن عدم تدفق الاستثمار الخارجي، مع عدم وجود مساعدات مالية مباشرة من الأشقاء العرب. أما وجهة النظر الثانية، فتحمّل سياسات الرئيس الاقتصادية المسؤولية؛ إذ يقول خبير اقتصادي أنّ مشكلة الحكومة الحالية هي أنّ عينها دائماً على ما يمكن أن تحصله من أموال وتخفّضه من نفقات، وليست مهتمة بصورة واضحة بزيادة الناتج الإجمالي وجذب الاستثمار وتشجيع القطاع الخاص على الإنجاز والإنتاج، وهي الميزة التي يمكن أن يملكها سمير الرفاعي، وفقاً لهذا الخبير، لما يمتاز به من علاقات جيدة ووطيدة مع القطاع الخاص.
صحيح أنّ الاقتصاد هو أكثر ما يؤذي حكومة د. النسور، وقد يعجّل برحيلها، لكنّ هناك شكوكا حقيقية، في المقابل، في مدى قدرة الرفاعي على تقديم البدائل، وتحقيق وعوده بتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، وتطوير البرنامج التنموي في المحافظات؛ وهي من أبرز التحديات الاقتصادية. ففي عهد حكومته السابقة، عانت الطبقة الوسطى الأمرّين، وواجهت ضغوطاً شديدة جراء الضرائب، ولم يفعل شيئاً حقيقياً لتنمية المحافظات.
أنصار الرجل يتحدثون عن تطوّر كبير حصل في رؤيته الاقتصادية. وخصومه يرون أنّه لا يملك عصا سحرية، ولا يتجاوز ما يقوله منطق الدعاية والترويج الإعلامي والإعلاني، لإعادة تأهيل نفسه سياسياً مرّة أخرى، عبر حملة علاقات عامة واسعة، للعودة إلى الحكومة، وليبقى السؤال المفصلي: فيما إذا كان ما يقوم به يحظى بمباركة "مراكز القرار"، أم أنه مبادرة ذاتية؟!