نوادر البخلاء..

قال صاحبي -وهو من سكان جبل عمان- أن بيته مجاور تقريبا لبيت رجل بخيل.. وكان بحكم الجيرة يتزاور معه زيارات عائلية.. وقالصاحبي رغم أن جاري كان غنيا جداً تعد ثروته وأملاكه بالملايين.. إلا أنه كان يعيش عيشة الفقراء وليس متوسط الحال.
فكان أثاث بيته في سنة -2010- هو نفس الأثاث الذي اشتراه عند العرس -سنة 1965- وهكذا كل المقتنيات الأخرى كالمطبخ والثلاجة والغسالة والتلفزيون وغير ذلك.
وقال صاحبي إنني عندما عزمت يوما السفر مع عائلتي في رحلة استجمام الى جنيف لمدة اسبوع مع رحلة جماعية نظمها مكتب سياحة فاتصل بي صاحبي، وقال يا جاري علمت أنك والعائلة والأولاد ذاهبون في رحلة الى جنيف وقد حجزت لابني معكم بنفس الرحلة، فهل لكم أن تسمحوا له بمرافقتكم وهو يتسلى مع أولادكم.. وكل شيء مدفوع عنه.. وقلنا له أهلا وسهلا ولا مانع.
وذهبنا في الرحلة ونزلنا في الفندق المحجوز لنا من شركة السياحة وكان الفطور مجانيا مع نفقات الرحلة.. أما الغذاء والعشاء فكان على حسابنا.. وكنا عندما نذهب للغذاء -نتغذى معا- وأقوم بدفع الحساب كاملاً عنا وعن سليم ابن الجار.. وبعد أن يخرج يعطيني -سليم- مئة دولار -أعطاها له أبوه كمصروف- لأحسم منها ثمن الغذاء أو العشاء وأعيد له الباقي -وأرفض ذلك-.. فيعيد المئة دولار الى جيبه ويحدث نفس الشيء في العشاء.. وهكذا حتى نهاية الرحلة.. وعاد سليم الى والده والمئة دولار في جيبه كما هي.. وعندما أعطاها لوالده -سر بذلك- وقال هذا هو الولد الشاطر.. ولكنه نسي أن يشكرني لأنني كنت السبب في عودة المئة دولار سالمة الى جيبه.
والسؤال هنا.. هل البخل وراثه.. واذا كان «سليم» قد وجد من يغذيه ويعشيه يوميا طيلة الرحلة.. ألم يجل في خاطره أن يشتري لوح شوكلاته أو قطعة حلو ليأكلها وحده.. أو لم يجل في خاطره ان يشتري لأهله هدية بسيطة ولو باكيت شوكلاته سويسرية مشهورة لا يجد الناس مثلها إلا في سويسرا.
وعلى أي حال فإن -أبا سليم- عندما مرض المرض الأخير وعرف أنه -مودع- فإنه دخل المستشفى بالدرجة الثانية مع آخرين..
وبحكم الجيرة ذهبت لزيارته وأخذت معي علبة شوكلاته وعندما دخلت غرفته وجدت معه فيها اثنين آخرين وعندهما أشخاص وأولاد ووضع مزرٍ.
فقلت له يا أبا سليم: أنت والحمد لله مقتدر.. فلماذا لا تأخذ غرفة واحدة وترتاح من هذه الأوضاع، فقال لي والله يا جاري أنا بتسلى مع الموجودين معي بالغرفة- لأنني عندما أكون وحدي يصيبني الضجر.
وهذه لا تمر على أحد فبامكانه قضاء وقته في القراءة أو إحضار راديو أو تلفزيون.. ولكن البخل هو الذي منعه من ذلك.
ومن الجدير بالذكر أن أبا سليم رغم ثروته الهائلة كان في حياته لا يملك إلا بذلة واحدة يلبسها في الأعياد والمناسبات الأخرى كالأفراح والأتراح بالاضافة لبنطلون وقميص يلبسهما في باقي الأيام حتى ان عليهما القدم وأصبحا يلفتان النظر بألوانهما البشعة دون أن يغيرها.. حتى توفي.
وترك ثروته الضخمة وراءه لورثة لا يقلون عنه بخلا وساروا على دربه دون أن يتعظوا بموت والدهم بعد أن عاش حياة لا تليق بمن يملك مثل ثروته، ولله في خلقه شؤون.