وجع العمال وكرنفالية العيد

الأول من أيار ليس يوما للإجازة، نجهد فيه للبحث عن ملاذ لسياحة العائلة والأطفال. وإذا كان المجتمع والدولة يقصدان معنى ومضمون الاحتفال بعيد العمال، فالأولى أن نحسّن من واقع هذه الفئة التي تكد من أجل لقمة عيش مغمسة بالتعب والحال السيئة.
هل نظرنا من حولنا إلى حجم الخسارات التي لحقت بالعمال الأردنيين في قطاعات عدة، خلال العام الماضي؟ من المؤكد أن اغلاق المعابر على الحدود قد انعكس سلبا ونكدا في العيش للعمال. لقد شل قطاع العاملين في المزارع، وتعرضت نسب مرتفعة من هذه المجموعة في العام 2014 لفقدان عملها، في ظل انحسار التصدير وخراب منتوجات الخضار والفواكه، نتيجة انسداد المعابر وشلل الطرق البرية التي تربط الأردن بمحيطه الإقليمي.
ذاك في الزراعة. والأمر أكثر خطورة في المصانع التي شهد بعضها إغلاقات مع تراكم الخسائر وانعدام الفرص الاستثمارية، وسط واقع تجاري وصناعي مرتبك على صعيد الإقليم، وبما يؤثر سلبا على فرص العمالة التي تدربت واجتهدت لتكون ضمن مكون الجسم الصناعي المحلي، إلا أنها تفقد من قوتها عاما بعد عام، ولا حلول في الأفق، بالاستناد إلى عدم توفر أسواق بديلة للمنتجات، ما يدعو إلى تقليص الإنتاج، أو حتى توقيف خطوطه، وبالتالي تحمل العمال الآثار الكارثية المترتبة على ذلك.
في موازاة ذلك، تبدو العمالة الوافدة حاضرة، وبقوة، في منافسة العمالة الأردنية في معظم القطاعات. بل إن بعض هذه القطاعات، مثل قطاع الإنشاءات، يشهد تناميا في نسبة العمالة الوافدة العربية فيه إلى نحو 80 %، ويغيب العمال المحليون بشكل متدرج، منذ سنوات. والإشكالية ذاتها في الزراعة؛ إذ لدينا في وادي الأردن أكثر من 150 ألف عامل وافد. والعمالة الوافدة بشكل عام، تشكل أكثر من ثلث القوى العاملة في البلاد، بينما يقوم بعض العمال المحليين بتغيير عمله عدة مرات في العام الواحد، في أشباه فرص عمل، لا تتحقق فيها شروط العيش الكريم التي ينشدها.
وتشير بيانات نشرها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، إلى أن ثمة تراجعا مقلقا في عدد فرص العمل التي يستحدثها الاقتصاد في كل عام. ففي العام 2007، تم استحداث 70 ألف فرصة عمل جديدة. إلا أن الرقم تراجع إلى 69 ألف فرصة في 2008، ثم استقر عدد الفرص في 2009 وعاد للتراجع إلى 66 ألفا في 2010، وكذلك في 2011 إذ بلغ عدد فرص العمل الجديدة 55 ألفا، ثم 50 ألفا في العامين 2012 و2013 لكل منهما، وصولاً إلى ما دون 50 ألف فرصة عمل مستحدثة في العام الماضي.
يمر العمال في الأردن بظروف قاسية. وهم ضحايا لانسداد الحدود، وعدم توفر الأسواق للمنتجات الزراعية والصناعية. ويدفع جلهم ثمن تراجع فرص العمل التي يستحدثها الاقتصاد كل عام، ناهيك عن تشوهات توزيع القوى العاملة في القطاعات المختلفة، وتمكن العمالة الوافدة من السيطرة شبه المطلقة على قطاعات اقتصادية كبرى. يضاف إلى كل ذلك، عدم توفر الأمان الوظيفي، وضعف الرواتب والأجور، وتدني مستوى الخبرة والتأهيل، واستغلال بعض أصحاب العمل للعمال.
عيد العمال ليس كرنفالا احتفالياً، أو إجازة تزيد من عدد أيام عطلة نهاية الأسبوع. بل يجب أن ينطوي على مراجعة صادقة لأحوال العمال وأوجاعهم؛ وهي أوجاع كثيرة اليوم، بغية تحقيق شروط أفضل لهم ولعائلاتهم، وأن يتحمل القطاعان العام والخاص مسؤولياتهما تجاه هذه الفئة المظلومة في الاقتصاد، وقت الرخاء وأثناء الشدة.