ياباني.. تايواني.. صيني.. كوري وغيره

هذا كلام لا علاقة له بالسياسة، وأتذكّر أنّني كنتُ في بانكوك، العاصمة التايلندية، قبل ثلاثين عاماً، وقوبلت بعشرات بسطات في الأزقة تبيع أفخر أنواع الساعات الرولكس والكارتيير وغيرها، بأبخس الأسعار، وعرفت أنّها مقلّدة، ولكنّني اشتريت مجموعة يمكن تقديرها من النظرة الأولى بعشرات الآلاف، بأقل من عشرة دنانير.
وصادف أنّه، تعرّفت في الليل، على مجموعة غربيين، وعرفت منهم أنّهم ائتلاف من الشركات الدولية الكبيرة، التي تُصنّع تلك الماركات الأصلية، وأنّهم يأتون ليشترونها بتلك الأسعار البخسة من الأسواق، ويجمعونها بالأطنان، ثمّ يدمّرونها، وأكّدت لي صورة جرافة كبيرة تمرّ على كومة كبيرة على شكل جبل صغير، عرضها علي أحدهم، أنّ هؤلاء يحاولون الحفاظ على نوعية بضاعتهم.
لم تكن في عمّان، حينها، من تلك المُقلّدات، حيث الصناعة على الصناعة على الصناعة، ولكنّ عاصمتنا عودتنا أنّها سرعان ما تدخل العالم، فلم تمض سنوات قليلة حتى امتلأت الأسواق بتلك الساعات، والمجوهرات، والمكائن، والكومبيوترات، وغيرها، إلى أنّ وصلنا إلى مقولة: هذا ياباني، ثمّ هذا تايواني، ثمّ هذا كوري، ثمّ هذا صيني، ثمّ هذا تركي، وكلّ تلك الأوصاف تتعلق بالنوعية المُقلّدة.
وكما هو الشعب الأردني سريع باستيراد المُقلّد، وترويجه، فقد صار سريعاً بصنع النكتة المتعلقة بالأمر، فهناك من لم يكن وزيراً ويُطلق عليه لقب معالي، فأصبح: معالي ياباني، وهناك من لم يبلغ الباشوية، فسمّوه: باشا تايواني، وثمّة من ما زال يحبو في التدرج الوظيفي، فأطلقوه عليه: بيك صيني، أمّا ذلك الذي لبس العباءة، وكانت أكبر منه، فأطلقوا عليه: شيخ كوري.
المصيبة أنّ الأصل معروف، والتاريخ مؤكد، والبضاعة مكشوفة، وسريعة العطب، ولكنّنا نستعملها، والغريب أنّه ليس من جرّافة لدينا تُدمّرها، بل ماكنات إعلامية تروّج لها، وتُسوّق للناس أنّها الحقيقية، والأصلية.
نحن، نتحدّث، هنا، عن البضائع الموجودة في الأسواق، وليس عن أيّ سياق سياسي، أو مجتمعي، أو أيّ معنى رمزي يمكن تفسيره بغير مكانه، فالكلمة صارت تأخذ صاحبها للسجن، حتى لو كانت جرّة قلم على الفيس بوك، أو شطحة فكرة على مايكروفون، ونحن لا نحبّ أن نكون هناك، فالحبس عن الحرية آخر ما نفكّر به، الآن!