احتفالية يوم الجمعة وسياسة التأزيم

تسود حالة من الترقب بشأن يوم "الفعالية الاحتفالية" المزمع إقامتها من قبل بعض قادة جماعة الإخوان المسلمين التاريخية، والتي يصرون على إقامتها بالرغم من أن وزارة الداخلية أعلنت أن هذه الفعالية غير قانونية، وهددت بمنعها في حال محاولة إقامتها.
الاحتمالات فيما يتعلق بهذه الفعالية مفتوحة. لكن من الواضح أن وزارة الداخلية لن تتساهل في إقامة فعالية غير قانونية، ما يجعل احتمال الصدام وارداً، والذي ستكون كلفته على المجموعة المنظمة للنشاط والاحتفالية عالية إذا ما حصل.
تسعى" الجماعة" من خلال إقامة هذا النشاط، إلى الحصول على انتصار رمزي ومعنوي أمام أنصارها و"جمعية جماعة الإخوان المسلمين" والمجتمع بشكل عام، من منظور أن لها حضورا في الشارع، وأن لديها الشرعية السياسية، إن لم تكن القانونية. لكن هذا الأسلوب هو هروب للأمام من الأزمة التي عصفت بـ"الإخوان"، بعد حظر جماعة الإخوان المسلمين في عدة دول إقليمية وازنة، وإعلانها منظمة إرهابية، وكنتيجة أيضاً لعدم قدرة الجماعة على التكيف مع الأوضاع السياسية، لاسيما عندما أصرت على مقاطعة لجنة الحوار، ورفضت التعديلات الدستورية، وقاطعت الانتخابات البرلمانية في العام 2013، إضافة إلى التداعيات داخل الجماعة والحراك الإصلاحي الداخلي ومبادرة "زمزم" والتي لم تتعامل معها "الجماعة" بحكمة وواقعية.
إن الأزمة التي عصفت بـ"الجماعة"، والحال التي وصلت إليها، تعود جذورهما الى الانتخابات البرلمانية في العام 1989 وإعادة العمل بالحياة الحزبية في العام 1992.
فمنذ نشأت الجماعة وحتى العام 1989، كانت تمارس النشاط السياسي والدعوي والخيري. وبصرف النظر عن الصيغة القانونية التي سمح لـ"الجماعة" بالعمل بموجبها، ومهما كانت طبيعة التنظيم، فإنه لم يعد مقبولاً أن يقوم بكل هذه الأدوار. علاوة على أنه لا توجد دولة ديمقراطية تسمح بحدوث ذلك. كذلك، فبعد ترخيص حزب جبهة العمل الإسلامي كحزب سياسي، لم يعد مبرراً أن تستمر "الجماعة" في العمل السياسي خارج إطار الحزب. والكل يعرف أن الحزب بقي رهينة بقراراته لـ"الجماعة"، وبقي مغلقاً على غير أعضاء الجماعة.
لقد كان من الحري بالجماعة أن تقوم بمراجعة ذاتية، تقودها الى إعادة تموضعها القانوني والسياسي. لكن يبدو أن الجماعة لم تعتبر حزب جبهة العمل الإسلامي سوى انصياع لقانون الأحزاب، وليس الوسيلة الرئيسة لها للمشاركة السياسية، من خلال البرلمان والحكومة، بل كانت تسعى لشراكة مع الدولة خارج إطار الحزب والمشاركة السياسية.
لكن التحولات السياسية والاقتصادية في المجتمع والدولة في الأردن، بدأت تفرض أجندتها على مشروع "الجماعة". إذ إن غالبية الأردنيين لم تكن لديها مشكلة بالمشاركة الفاعلة لـ"الجماعة" ضمن إطار قانوني وقواعد اللعبة السياسية المبنية على التداول. لكن عدم التغيير في "الجماعة" غذى وزاد من شكوك الآخرين بأنها تريد أن تهيمن على السياسة الأردنية لا أن تشارك فيها.
الحكومات والبرلمانات المتعاقبة تتحمل جزءاً من مسؤولية عدم تصويب أوضاع الجماعة. وبالتأكيد هناك أسباب نتفهمها لعدم فرض التغيير في وضع "الجماعة". لكن كان من الحري المساهمة في حل هذه المشكلة؛ ليس لمساعدة الجماعة على التخلص من هذا التناقض، ولكن من منظور المصلحة الوطنية العامة.
فالوضع الذي وصلت إليه "الجماعة" اليوم هو نتيجة لسياسات قياداتها، وهي مسؤولة عنه. إذ لم تلتقط "الجماعة" اللحظة التاريخية التي مرّ بها العالم العربي، ولم تستوعب رسالة الذين انتفضوا في الشوارع والعواصم العربية، ولم تقم بالمراجعات اللازمة، وكذلك لم تستجب لكل المحاولات الإصلاحية من داخل الجماعة، ما أدى الى الوضع الحالي لها.
إن الإصرار على إقامة الفعالية على شكل مهرجان، ومحاولة استعراض القوة، لا يمثلان سوى سياسة الهروب للأمام، وليس حكيماً أو صحيحاً أن يقول أحد قادة "الجماعة" إنه لا يوجد قانون يستطيع أن يحتوي "الجماعة".
الدول المعاصرة تنظم نفسها وحقوق المواطنين بقانون. وبصرف النظر عن الموقف من قانون معين، فإن الانصياع للقانون واجب على الأفراد والجماعات، ويعتبر تغيير القانون حقاً لهم أيضاً، إنما بالوسائل السليمة. لكنه من غير المقبول الخروج عن القانون الذي يوجد لدينا حوله ملاحظات أو نختلف معه.
يجب ألاّ تغيب الحكمة عن قادة المجموعة التي تريد إقامة المهرجان، وهي تستطيع إقامته في أي مكان آخر لتجنب احتمالية الصدام.