الشعب يريد إسقاط الكلام
الشعب يريد إسقاط الكلام
د.طارق عبد القادر المجالي
هل يستطيع أبناء الوطن الواحد أن يصوموا ويكفوا عن الكلام ، بعد الذي جرى على دوار جمال عبد الناصر ؟ وهل نحن قادرون على ذلك ؟ أظن أن الإجابة عن هذا السؤال الواخز ستكون لا . بسبب أننا اعتدنا على الثرثرة السياسية ، وعلى فائض الكلام ،الذي لا يقدم ولا يدفع إلى الأمام ،بل يعيدنا أميالا إلى الوراء .
إن من يراقب المشهد العام ،هذه الأيام ،في المجتمع الأردني ، يصاب بالغثيان والقهر واليأس ، مجموعات من الشباب الثائر الهادر المرغي المزبد ، ولا تدري لماذا ، وماذا يريدون ، نراهم على بوابات الجامعات بأعداد مخيفة حقا ، يجوبون بسيارات آبائهم شوارع المدن والقرى في صورة استفزازية : الأبواق والغناء شبه الوطني لافتقاده إلى المعاني الرقيقة ، والألحان العذبة المهدئة للنفوس ،والتهديد وإخراج الأيدي والرؤوس والأقدام من النوافذ وإغلاقها بالشعارات التي لا ينكرها أحد ، كل هذه الصور نشاهدها يوميا ، فهل لنا أن نسأل لم كل هذا الزعيق ؟
أبنائي الشباب ،إذا كان هذا هو مفهومكم للوطنية ولصدق الانتماء ، فتعست سنواتنا ـ معاشر المربين ـ التي أنفقناها سدى في تربيتكم ، لتعليمكم المعاني السامية للانتماء الوطني ، الذي لا يمكن أن يكون في ( الهيزعية الوطنية ) وفي هدر الأوقات الثمينة من أجل أن نعبر تعبيرا فجا عن وطنيتنا .
الوطن يحتاج إلى أوقاتكم وعقولكم ،وفي محافظتكم على كل ذرة فيه ، هو يحتاج إلى الإنجاز والعمل المثمر والهوايات النافعة البناءة ، كما أنه لا يحتاج من أحد أن يثبت له كل طالع شمس حجم وطنيته ، ومقدار محبته له ، فهل يشك وطن ما ،ولو للحظة واحدة ،في إخلاص أبنائه له ؟ !
إذا ، لماذا نظهر له في مناسبة ومن غير مناسبة ،بأننا ما زلنا على العهد ؟ (وكل يدعي وصلا لليلى ) إلا أن ليلى لا تصدق إلا من حاول أن يمسك بيدها ، ويجعلها أكثر سعادة وجمالا .
السياسيون والحزبيون والإعلاميون ووسائلهم ،والخطباء والوجهاء ورجال الدين وشيوخ العشائر وكتاب الأعمدة ،هم من يتحمل وزر ما حصل وما سيحصل ، لأنهم بطريقة ما جيّشوا الشباب ، ودفعوهم للتعبير عن آرائهم وأفكارهم بهذه الطرق السلبية ، وهنا أرجو ألا يفهم أنني استنكر حرية التعبير بالطرق الحضارية ، بل إنني أدعو إليها ، وأقترح الإسراع بتجهيز فضاء واسع في عمان ، يكون مجهزا بجميع الوسائل الضامنة لإنجاح أي تظاهرة ، كما أقترح أن يحضر إلى هذا المكان المخصص الجهة الحكومية المستهدفة للاستماع والمناقشة والدفاع والاستماع إلى المطالب المعروضة.
أما أن يقوم الشباب بممارسة مثل هذه الاحتجاجات السلمية في أماكن غير مأمونة ، فيختلط الحابل بالنابل ، وكل يكيل التهم للطرف الآخر، فهذا غير مقبول لما فيه من أذى لكل أردني شارك أم لم يشارك في هذه الاعتصامات والمسيرات حين نشاهد كثيرا من المصابين .
ودعونا ننتهي من قضية اللعب على وتر الوحدة الوطنية ، لأن كل من يعيش على التراب الأردني ، ويحمل الرقم الوطني وجواز السفر الأردني هو أردني كامل الولاء والانتماء للعرش الهاشمي ، إلا إذا اختار منفردا غير هذا ،فله الحق في ما اختار .
لذلك أرى أن لا حاجة لإعلانات الولاء مدفوعة الأجر إن على مستوى المؤسسات الحكومية أوعلى مستوى الأفراد شيوخ عشائر كانوا ، أم من الطبقة الكادحة ، عندها لا نرى من يثير النعرات الوطنية بلباس مستفز ، أو بممارسات تسلطية واستقواء على الآخرين بدعوى أنه الأقرب ولاء وانتماء ، كما أننا سنتخلص من مظاهر القهر والحقد والنقمة غير المبررة ، لنتفرغ بعدها إلى مزاولة أعمالنا مسرورين بما ننجز ، كل منا يبذل أقصى طاقاته ، حين يرى أننا في هذا الوطن شركاء .
إنني منذ هذا اليوم نذرت للرحمن صوما ( صمتا) عن كل ما يجري ، وأقترح على كل من يشتغل بالكتابة الصحفية والإعلامية أن يكفّ عن الكتابة والتعليق عما حصل في الآونة الأخيرة ، لعلنا نتجاوز هذه الفتنة الميتة لا النائمة ،لنتمكن من رفع صخرة (سيزيف ) صخرة المعاناة ،والتحديات الوطنية الكبرى ونوصلها هذه المرة ،بعزيمة أبنائه جميعا ،إلى القمة.
Tarq_majali@yahoo.com