أحباب الله

بسم الله الرحمن الرحيم
عُرف العرب بصفتي الكرم و الشجاعة و اشتهر منهم بالكرم في الجاهلية حاتم الطائي ، و عُرف منهم في حياة المصطفى صلى الله عليه و سلم قبل بعثته عبدالله ابن جدعان ، و يقول صلى الله عليه وسلم " لقد كنت أستظل بظل جفنة عبدالله بن جدعان " صكّةَ عُميّ "" أي وقت الظهيرة دليل على عِظمها و عموميتها للناس يتزاحمون عليها .
و مع ذلك فقد ثبت في صحيح مسلم أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت يا رسول الله إنّ ابن جدعان كان يطعم الطعام و يقري الضيف فهل ينفعه ذلك يوم القيامة ؟ فقال : لا ، إنه لم يقل يوما ربي اغفرلي خطيئتي يوم الدين .
أما في زماننا و في الأردن فقد عُرفت كل القبائل و العشائر الأردنية بالكرم و الشجاعة فهم أبناء يعرب ، و عند بني حميدة يذكرون في أوائل القرن الماضي رجل يدعى شخيتير أبو جميل و رجل يدعى زعل الهليل أبو فهد عرفا بالطّيب و الطيب هو الكرم الشديد المشهور الذي يذيع " صيته " خبره بين الناس ، و كان أهل مليح يعدّون لهذين الرجلين الذبائح من أول الشهر إلى أخره ليعلموا من بزّ الآخر في عدد ذبائحه في الشهر الواحد ، و قد قيل في كرمهم و طيبهم شعرا شعبيا يتداوله الناس حتى اليوم ، فهذا الشاعر الشعبي الضرير العقرباوي من نابلس يقول في مدح زعل الهليل أبو فهد في قصيدة طويلة لها قصة يقول في مطلعها :
سَدْ القبيلي عن عطيّةْ إبن هوّاش ... ابو فهد يا عنان العزومِ
اما الشاعر الحميدي المعروف بالراشدي فقال :
ولْد القبيلي زعل يا ماكر الطيب ... مثل الحصان اللي طويلٍ هجاره
يقري ضيوفها و المعازيب ... متقعّدٍ بسْط العرب للخسارة .
و ذكر أن أبو فهد " زعل الهليل " قد زار فلسطين و بالتحديد نابلس و عقربا و أكرمه أهلوها أيما اكرام ردا للجميل و المعروف كما علمنا .
كما عّرف في مجال الكرم و الطيب عند بني حميدة في هذا القرن رجل يدعى عبدالله الجديعات " أبو خلف " وهو ما زال على قيد الحياة و على طبع الكرم و الطيب و يروي الناس عن أبو خلف صورا رائعة من طيبه فذكر أن قد جاءه ضيف فذبح له و قبل أن يقدّم الطعام جاء ضيف آخر فقام أبو خلف و ذبح له أيضا و قدم للضيفين على المنسف رأسين و قال للضيف الأول هذه كرامتك و قال للضيف الثاني هذه كرامتك .
اما في مجال الفروسية و الشجاعة فإن لبني حميدة فيها قصب السبق فهاهو الفارس علي اللوانسة و الفارس سعد الحواتمة قمران ساطعان في سماء الهيّة قدما روحيهما دفاعا عن الشرف على أرض الكرك، مثلما عُرف الفارسان عساف و رفيفة الذين كان لهما سجال طويل مع القائد التركي " قويطين آغا " انتهى بطرده من البلاد و قد كانوا قادرين على قتله فخرج ولم يعد .
كما استشهد من بني حميدة التي شاركت في الثورة العشائرية الأردنية بقيادة ماجد ابن عدوان ضد الأمير عبدالله وقتئذ فارسان عظيمان هما أبن هواش و جديع ابو قاعود و دفنا مع من استشهد هناك في الجبيهة و يذكر أن جديع ابو قاعود بعد أن نفذت ذخيرته هجم على " استاوت " سيارة عسكرية ملأى بالضباط و الجنود الأنجليز بالسيف فأطلقوا عليه النار و اردوه شهيدا .
اما في فلسطين فلا يتسع المجال لذكر بطولات فرسان بني حميدة في هذا الميدان الشريف نظريا و عمليا .
الكريم حبيب الله وقد ورد في الحديث القدسي عن رب العزة " أُحب الغني الكريم و حبي للفقير الكريم أشد ".
و الفارس المقدام أيضا حبيب الله قال تعالى " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص " ، و هذا يعني أن الكرماء و الفرسان هم أحباب الله .
أما في مجال المفاضلة بين الكريم الجواد و الفارس المقدام فقد قال العلماء أن اعظم الكرم هو الجود بالنفس ولذلك قدموا الفارس المقدام على الكريم الجواد و يؤكدون إنّ على المجتمع أن يقدر الأثنين تقديرا عاليا و يحفظ لهما هذه المكارم و الصفات الحميدة و يسجلها في سجلاته لتتعلم منها الأجيال القادمة .
اما في ذمِّ من لا يسعى لا لجود ولا لأقدام فيقول الشاعر الحطيئة :
دعِ المكارم لا ترحل لبغيتها .... و اقعد فإنك انت الطاعم الكاسي .
و بمناسبة يوم العمال فإن أحفاد هؤلاء الأماجد الكرماء الشجعان من بني حميدة في ظل حكوماتنا الفاسدة هم اليوم فقراء مهمشين محرومين و حتى معطلين عن العمل .
أما الجود بالنفس و الشجاعة و الاقدام في سبيل الله فهو من أعظم ما اشتهر به أجدادنا المسلمون و الأمثلة على ذلك كثيرة يصعب حصرها و أصحابها هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائدهم في بدر و أحد و الخندق و غيرها .
وكان بعضهم يقول ( كنا إذا اشتد البأس و أحمرّت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم و كم من شهيد فدى بنفسه رسول الله صلى الله عليه وسلم و ثبت بين يديه دفاعا عنه مثل سهل ابن حنيف " أبو أمامة " رضوان الله عليه و غيره كثير كتب الله لهم الشهادة ومنهم من مات على فراشه رغم شجاعته و إقدامه مثل خالد ابن الوليد رضي الله عنه .
اما أن قد جمع الله تبارك و تعالى لأحد من خلقه صفتي الجود و الاقدام معا غير الانبياء سلام الله عليهم فلا شك قد كان ذلك لنفر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و ربما لنفر من المتأخرين .
أما الصحابي الجليل قتادة ابن النعمان الأوسي الأنصاري فيذكر أنه أُصيب يوم أُحد فوقعت عينه على خده فأتى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمزها صلى الله عليه و سلم بيده الشريفة فردّها كما كانت فكانت أصحَّ عينيه .
و يذكر انه في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وفد عليه ركب من المدينة فيهم أحد أبناء الصحابي الجليل قتادة ابن النعمان ولم يكن يعرفه فسأله من الرجل ؟ فأجاب ابن قتادة شعرا:
انا ابن من سالت على الخد عينه .. فرُدّت بكف المصطفى أحسنَ الردِّ
فعادت كما كانت لأول أمرها .. فيا حُسْنَ ما عينٍ ويا حُسْنَ ما ردِّ .
فرد عليه امير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أيضا شعرا فقال فخورا به و بابيه :
تلك المكارم ُ لا قعبانَ من لبنٍ .. شيباً بماءٍ فعادا بعدُ ابوالا.
و يقصد ان المكارم الحقيقية هي الشجاعة و الاقدام و التضحية في سبيل الله و أنها مقدمة على المكارم بالجود بالمال و الطعام و الشراب و في كل خير بل هم خير الناس وهم جميعا أحباب الله و انما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .
ضيف الله قبيلات