«قنبلة الجمعة»...

الغالبية الغالبة من الأردنيين يضعون أياديهم على قلوبهم، تحسّباً ممّا يمكن أن يأتي به يوم الجمعة المقبل، وكأنّه يوم أشبه بقنبلة موقوتة
ستنفجر في وجه الجميع، دون أن يكون في يد أحد نزع صاعقها، وهذا في تقديري تحسّب له أساس شكلي، ولكنّه لا يحمل موضوعياً الفهم الحقيقي للدولة الأردنية.
وقبل أيّ كلام، فنحن، هنا، لا نتحدّث عن طرفين هما: الدولة الأردنية والاخوان المسلمين، فالجماعة لا تترك فُرصة إلاّ وتؤكد فيها أنّها جزء أصيل من الدولة والمجتمع، والنظام العام يؤكد أنّه ليس في وارد العداء لأحد، فالجماعة جزء أصيل من تاريخ الدولة، ومن تركيبة المجتمع، وحصيلة الموقفين هو ما سمّته العرب «شعرة معاوية» التي لا تنقطع.
في الواقع على الأرض، لا يمكن قبول القول إنّ «جمعية الجماعة»، التي صارت تحمل الترخيص الرسمي، هي التي تمثّل الاخوان المسلمين، فهذا ترف لا تدّعيه أصلاً، ومن التسريبات التي حفل بها الإعلام الأردني هذا الأسبوع، يقول قادة «المجموعة الجديدة» أنّهم في أحسن الأحوال يتوقعون فهم حركتهم بعد سنتين من الآن.
وفي الواقع على الأرض، أيضاً، فلا يمكن قبول القول إنّ «الجماعة الأصلية»، التي لم تتأثر أبداً بمحاولة الإنشقاق، تعتقد أنّها تمتلك مساحة سياسية تستطيع فيها فعل ما تريد، فالبلد العربي الباقي الوحيد الذي لم يُجحفل قواه الأمنية والإعلامية ضدّ الاخوان المسلمين، هو الأردن، وبالتأكيد فلا يتعلق الأمر بعشق سواد عيونهم، ولكن لأنّ المصلحة الوطنية، واللحظة التاريخية، تقتضي ذلك.
الواقع على الأرض يقول أكثر من ذلك، فتسريبات لقاء «جمعية الجماعة» تتحدّث عن أنّ أربعين بالمائة من أعضاء الاخوان المسلمين جزء ممّا يُسمّى بـ»التنظيم السرّي»، وهذا ما يذكّرنا بقصّة محطة «المطار السرّي» المصرية، حيث كان راكب الحافلة يطلب من السائق إنزاله هناك، فأيّ سرّية مُعلنة هذه التي تحتوي قائمتها الآلاف؟
وأيضاً، فالواقع يقول إنّ الدولة الأردنية ليست في وارد استبعاد المئات من «السرّيين» الذين تحتويهم جماعة منظمة، فما بالنا بالآلاف، وجعلهم مكشوفين على تنظيمات «سريّة متطرفة»، في وقت يخوض فيه الأردن حرباً مُعلنة على التطرف والإرهاب، وسيظلّ هذا عنوان عمله على مدار السنوات المقبلة، حسب التصريحات الرسمية.
والواقع يقول أكثر وأكثر من ذلك، فجماعة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، ونفي ذلك لا يعدو كونه ذرّاً للرماد في العيون، وشطب ذلك من المعادلة في لحظة لا يخرج عن كونه العبث بعينه، فنحن نتحدث عن عشرات السنوات من العمل العلني والسرّي، وكلّ ذلّك تكرّس وأثبت فعاليته المجتمعية والسياسية، وثبت أنّ التعامل الإقصائي معه مُكلف على كلّ الصُعد، وغير ممكن أحياناً.
الكلّ يتطلّع إلى يوم الجمعة، ونحن أيضاً، ولكنّ خبرتنا لا تؤشر لنا أنّ هناك قنبلة موقوتة لا يمكن نزع صاعقها، ولعلنا تابعنا خلال اليومين الماضيين ما يشي بذلك، فالجماعة تقدّمت رسمياً بإشعار التجمّع، وهذا ما نقصده من «شعرة معاوية»، والحكومة خفّفت من تهديداتها، وفي مطلق الأحوال فما يجري في المنطقة يقتضي منّا الحرص، وعدم ركوب الرأس وكأنّنا في «داعس والغبراء» مع أنّنا وصلنا إلى «داعش» أمّا الغبراء فما زالت «غبراء».
ولا يبقى سوى أنّ الأردن المستقر الآمن هو المبتغى، وسيبقى فوق رأس الجميع، بالقانون، وفهم الماضي، والبناء عليه للمستقبل، وعدم تكرار أخطاء الآخرين، بل التعلم منها، وربّما المشاركة في حلّها أيضاً.