الأردن وحرب المعابر البرية والبحرية

يمر في قناة السويس(53) سفينة شحن يوميا في حين يعبر مضيق باب المندب (57) سفينة شحن أي ما يقارب الـ (25 الف) قطعة بحرية في العام، باب المندب مسؤول عن ما يقارب(10الى 7%) من حجم التجارة العالمي وينقل عبره(4%) من شحنات النفط العالمية، الممران البحريان يواجهان صعوبات متراكمة بدأت بالقرصنة قبالة الشواطئ الصومالية، وانتهت بحرب اليمن والحشود البحرية، اذ تواجدت ثمانية بوارج إيرانية وحاملة طائرات أمريكية في خليج عدن في وقت واحد ما رفع من حدة التوتر، بالتأكيد كان لهذه الحشود البحرية انعكاسات على كلف الشحن والتأمين وارتفاع أسعار النفط، المعضلة لا تختلف كثيرا في قناة السويس بعد الثورة المصرية التي أفضت الى ثورة مضادة وتدهور أمني وسياسي، يتمظهر بقوة في «سيناء» بشكل رفع منسوب القلق على أمن القناة التي تعرضت قبل ما يقرب من العام الى هجوم بقذائف «ار بي جي» استهدفت سفينة شحن ترفع العلم الصيني تسمى «كوسكو آسيا».

الكلف في ازدياد التأمين والنقل، وما يرافقها من كلف أمنية لحماية المعابر بشكل يرفع الرسوم،التوتر القائم بين دول الاقليم يزيد الحالة تعقيدا فـ»مصر» ألغت اتفاقية «المرور» للنقل البري مع تركيا وهي مسؤولة عن(2%) من صادرات تركيا الى المنطقة، المعابر الحدودية البرية والبحرية باتت سلاحا تستخدمه الدول في العقاب كما تستعمله في محاولة للاغراء والاخضاع، فإيران عرضت على تركيا نقل بضائعها الى الخليج عبر اراضيها، كبديل للمعابر المصرية والاردنية التي باتت شبه مغلقة في طريبيل ونصيبين من قبل، وروسيا من قبل استبدلت خط السيل الجنوبي لنقل الغاز الى اوروبا بخط ينتهي بالاراضي التركية، والصين استبدلت الاراضي الايرانية بطريق الحرير عبر افغانستان والباكستان وباستثمارات بلغت 46 مليار دولار، لتقترب من السعودية والخليج وتكسر الحصار الامريكي في الباسفيك.
الأردن بات على موعد مع أزمة كبيرة في ظل حرب المعابر وأصبح بحاجة أكبر الى مراجعة تحالفاته وسياساته الداخلية، فارتفاع كلف الشحن والتأمين لعلها تكون أحد العوامل المفسرة لتراجع الاحتياطي النقدي في البنك المركزي بمقدار يقارب الـ «500مليون دولار»، ولعلها تفسر الحديث المتواصل عن هجرة رأس المال، والتي ترافقت مع إعلانات متكرره لمسؤولين حكوميين لطمأنة القطاع التجاري حول الوضع المالي للدولة، فالاصوات المتذمرة في أوساط التجار في البلاد باتت مرتفعه تذكرنا بمناخ حرب الخليج الاولى.
بالنظر الى التطورات السياسية المترافقة مع حرب المعابر نجد بوادر تحول استراتيجي في الصراع الدائر في كل من العراق وسوريا، فتركيا باتت أكثر فاعلية وحرصا على حسم الصراعات، وهي الآن أقرب لدمشق منها لـ»حلب» في ظل تسريبات عن التقاء قادة ميدانيين في الغوطة السورية مع مسؤليين أمنين أتراك، وفي ظل سيطرة ميدانية على «أدلب وجسر الشغور وسهل الغاب» لتعزل «دمشق» عن الساحل وتقرب المشهد الميداني من معركة فاصلة في «دمشق»، تركيا فاعل في العراق فهي الآن تعد العدة لمعركة «الموصل» والتي أعلن أحد القادة السياسيين العراقيين المقربين منها أبرزهم ينتمي للاقلية التركمانية بأن موعد معركة الموصل ستكون بعد شهر رمضان، تركيا حاضرة في تفاصيل المشهد العراقي والسوري، وهي قوة مؤثرة بدأت تظهر ثمار تحالفها مع السعودية في العراق وسوريا.
الأردن لم يعد قادرا على العزف منفردا او المراهنة على حسن نوايا «طهران» وفاعلية القاهرة، الاردن بات معنيا أكثر بالتقارب مع تركيا فالرؤية الاستراتيجة تشير بوضوح بأن القاطرة بدات «تصفر» في المنطقة، وأن من يتخلف عنها سيعاني الكثير نتيجة تأخره، التقارب مع تركيا سيذيب الجليد الآخذ بالتشكل بين «عمان» و»الرياض»، وسيعزز الدور الاردني في المنطقة ويجبنبها الاثار الاقتصادية السلبية لحرب المعابر في الاقليم والتحولات السياسية الدرامية في العالم.
يستطيع الأردن تجاوز الازمة بمزيد من المرونة في التعاطي مع ساحته الداخلية والخارجية، بإمكان الاردن ان يحول الازمة الى فرصة لاستقطاب الاستثمارات التركية والصينية بل والآسيوية، متجاوزا بذلك الكثير من العقد ومتساوقا مع التحول الاستراتيجي الذي أعقب «عاصفة الحزم» وتداعياتها الآخذة في التشكل في الاقليم، والتي مهدت الطريق لمزيد من التحالفات فـ «عاصفة الحزم» على سبيل المثال لا الحصر مهدت الطريق لعملية «اعادة الامل» معيدة بذلك الامل لدور باكستاني تحت غطاء واحتمالات التدخل الانساني والقبعات الزرق، الرهان على ايران وسوريا بات ورقة منتهية الصلاحية، حتى تركيا ترفضها رغم اغراءات فتح المعابر الايرانية للبضائع التركية، فلم يعد هناك في المنطقة من يرغب بالتوقف وانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية في امريكا او خروج آمن لمصر من أزمتها؛ فالاحداث متسارعة وبات من الصعب التصدي لها بالامنيات والترقب.