الضرر الملازم للامتحانات العامة
أخبار البلد - حسني عايش
في كتابهما القوي، والناقد للامتحانات العامة (المصيرية)، التي فرضها الرئيس بوش الابن والكونجرس في المدارس الحكومية، دون الخاصة، سنة 2001 - 2002، تحت عنوان (NCLB (No Child Left Behind، لإصلاح التعليم والتعلم، يثبت المؤلفان الأستاذان شارون ل .نيكولاص وديفيد س. بيرلنر ومئات الكتب وآلاف المقالات والبحوث العلمية، عدم جدوى هذا الامتحان، وتدميره المتزايد لما قصد تحقيقه.
يؤكد المؤلفان أن أزمة التعليم العام في أميركا تكمن في الفساد المتفشي في أعظم اختراع أميركي في التاريخ، وهو المدرسة العامة (Public School)، وأن السبب الرئيس للفساد الاعتماد الزائد والمتزايد على الامتحانات العامة المصيرية (High- Stakes Testing)، وان الأحداث السلبية الكبرى الجدية والمؤذية المرتبطة بها، قد تجبر المراكز الصحية على إعلانها وباء عاماً، يجب النهوض لمقاومته لأنها تربط مصير الطفل أو مستقبله بالنجاح فيها، وكأن صدقها حاسم او نهائي، ولا رجعة فيه، كما تجبر ذوي الراسبين فيها على إلحاق أطفالهم بمدارس أخرى، لينجحوا أو بمدارس خاصة ليتخلصوا من الامتحان.
ويضيف الأستاذان: إن العار هو جزء لا يتجزأ من هذا القانون، لأنه شوه التعلم والتعليم وأفسد التربية، وإن استمرار العمل به يعرض مهنة التعليم للخطر.
يقوم هذا القانون (والقرارالأردني الذي سُنّ على منواله هذا العام - اقرار امتحان عام من قبل وزارة التربية والتعليم للصفين السادس والتاسع الاساسيين على منوال امتحان التوجيهي) على منطق، أن نظاماً من التهديدات والحوافز أو العصا والجزرة، أو الثواب والعقاب سيدفع المعلمين والمعلمات وتلاميذهم الى بذل جهد أكبر للتعليم والتعلم، لكن إن كان هذا النظام صالحا في القرن التاسع عشر، إبان الثورة الصناعية، حين لم يكن للذكاء قيمة، واستبدال العمالة فيه سهلا، فإنه لا ينفع ولا يجدي مع اقتصاد المعرفة الجديد، حيث يزداد الاعتماد على الذكاء والمعرفة، كما عند مصممي برامج الكمبيوتر، والاقتصاديين، ومحللي اتجاهات السوق... الذين لا ينفع معهم التهديد والعقوبات.
لقد صار اللجوء الى المكافآت والحوافز مذموماً في التعليم والأعمال، لأنها تجعل العاملين منقادين من الخارج، لا من الداخل. وعندما يحصلون على الجائزة أو المكافأة يخمدون.
وعليه لا يجوز الحكم على التلاميذ والمعلمين والمعلمات بمؤشر واحد أحد، هو الامتحان العام فقط. تصبح التهديدات والحوافز ملائمة إذا كنا ننظر الى التلاميذ والمعلمين والمعلمات كأيدي عاملة، لا كبشر يعملون في المعرفة، ولكن مؤيدي نظرية العصا والجزرة الميتة يدعون أن سياسة العصا والجزرة سوف تحل كل المشكلات في المدرسة، فيقبل التلاميذ على التعلم والمعلمون والمعلمات على التعليم، والادارة على الضبط والربط.
نعم. يفضل السياسيون والمؤرخون، الحلول البسيطة لمشكلات التربية والتعليم المعقدة، واستراتيجية إدارية تقوم على الثواب والعقاب، وإن كانت لا تؤدي الى النتيجة المرغوب فيها، لأنه اذا كانت سياسة الثواب والعقاب مناسبة لبعض التلاميذ والمعلمين والمعلمات، فإنها غير ملائمة لمعظمهم، فالتلاميذ قد "يزهقون" من طول الاستعداد للامتحان، فتضعف دافعيتهم للتعلّم، إن كثيرا منهم يصاب بالسأم والملل. كما لا يُعطي المعلمون والمعلمات الجيدون فرصة للتعمق في المنهاج وربطه بالحياة.
إن التركيز على الامتحان العام، يضيق المنهاج إلى الحد الأدنى اللازم لتأديته، بالإضافة الى إهمال تعلم وتعليم المواد غير الداخلة فيه، كما انه يجعل معظم التلاميذ يكتفون بعلامة النجاح، فيه وليس بالتميز. وهكذا يدمر الامتحان الدافعية اليه.
لا يكشف الامتحان عن قدرات التلاميذ غير البصمية والتذكرية والاسترجاعية، ولا يتنبأ بمستقبلهم. إن معلميه ومعلماتهم هم الأقدر على التحدث عن قدراتهم الأخرى كالمبادرة والقيادة والتعاون والإبداع والابتكار. أما أسوأ ما في الامتحان فنسبة الرسوب الى نقص في الذكاء عند الراسبين فيه، مما يجعلهم يكرهون المدرسة والتعليم، ولا يبذلون مزيداً من الجهد للنجاح في الامتحان في المرة القادمة، وربما يتسربون من المدرسة قبل إكمال تعليمهم الإلزامي. إن عشرات الآلاف من الأطفال خارج المدرسة نتيجة للتسرب، أو لعدم إلحاق بعض الآباء والأمهات أطفالهم بها، ومع هذا لا تقوم الوزارة بمنع ذلك، فذلك أمر صعب فلا تلجأ اليه. أما الامتحان فسهل إجراء وتصحيحاً وإعلاناً وأكثر جذباً للإنتباه.