أنصح بالاطلاع

أنصح كل مواطن بقراءة تقرير ديوان المحاسبة للعام 2014، أو أقله الاطلاع على أبرز نتائجه، للوقوف على المخالفات التي تُرتكب في الوزارات والمؤسسات الرسمية، بأسلوب يكشف العقلية التي تدير بعضا من شأننا العام، وتتحكم بأموال دافعي الضرائب؛ هدراً أو ضبطاً.
أهمية الاطلاع على التقرير المنشور أمس على موقع "الديوان"، تتأتى من خلق ثقافة عامة، تدرك تماماً حجم المخالفات الكبير الذي يكشفه التقرير ويسعى إلى تسليط الضوء عليه، من خلال فصول لكل مؤسسة ووزارة، تُوضح فيها الاختلالات بأسلوب يفضح كثيراً منها، والتي لو تمت لضاعت أموال كبيرة من الخزينة وحقوقها.
كما أن من المفيد قراءة التقرير لإدراك أن ثمة أشياء لم تتغير في العقلية التي تدير القطاع العام، حيث ما يزال الشعور السائد هو أن العمل الرسمي تشريف لا تكليف، وأن التطاول على المال العام إدارياً مقبول وغير مدان! مثال ذلك ما تضمنه التقرير عن التشوهات التي تطال سياسة تشكيل لجان العطاءات وفحص العينات لدى بعض الوزارات، وبأسلوب يؤدي حتماً إلى الفساد والإفساد.
فالتقرير، وإن لم يقل ذلك صراحة، يشير من خلال مئات الملاحظات والتوصيات، إلى كيف يبدأ الفساد الإداري، وما المعنى الحقيقي والممارسة الفعلية للتواطؤ على تضييع المال العام، وكيف ينتهي كل ذلك بفساد حقيقي وتطاول على هذا المال.
ربما لا تكون كبيرة، من وجهة نظر البعض، مبالغ الوفر المالي المتحقق من عمليات التدقيق التي نفذها موظفو "الديوان" على الوزارات والدوائر الحكومية؛ إذ تقدر بحسب التقرير بأكثر قليلاً من 71 مليون دينار. بيد أن القيمة الحقيقية لعمل "الديوان" كجهة رقابية على المال العام وطرح العطاءات وغيرها، تظهر جلية من خلال الرقم التراكمي المحصل؛ إذ يقدر إجمالي الوفورات التي حققها "الديوان" لصالح الخزينة العامة للدولة ولصناديق المؤسسات العامة المستقلة والبلديات، خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، بما مجموعه 347.5 مليون دينار.
ويذكر التقرير أن مجموع قضايا الاعتداء على المال العام ودعاوى الحكومة وصل، خلال العام الماضي، إلى 216 قضية؛ بحيث قُدر إجمالي قيمة المبالغ المستحقة بموجبها بـ13.6 مليون دينار.
من زاوية أخرى، تميز التقرير "السنوي" هذه المرة بشكل أكبر، عبر تضمنه تقريراً خاصاً عن التكلفة المباشرة وغير المباشرة لخطة هيكلة رواتب القطاع العام التي نفذتها الحكومات منذ العام 2012. إذ نسف "الديوان" في تقريره هذا كل ما قالته الحكومات عن أن تكلفة الهيكلة لن تتجاوز 82.5 مليون دينار، كاشفاً عن أن عبء الخطة على الموازنة العامة، بتكاليفها الإجمالية الفعلية، قد وصل إلى 254.4 مليون دينار للعام 2012، من دون الأخذ بعين الاعتبار التكلفة الإضافية للهيكلة التي تترتب آثارها على موازنة الدولة للعام 2013 والسنوات اللاحقة.
الأخطر أن خطة الهيكلة لم تعالج تشوهات الفجوة بين العاملين في القطاع العام؛ إذ ما تزال هذه الفجوة كبيرة بين العاملين في مؤسسات وهيئات الحكومة المركزية وأولئك العاملين في المؤسسات المستقلة، وبما يعني أن الخطوة لم تكن مدروسة بشكل كاف، بحيث تخدم فكرة طالما نظّرت لها الحكومات، وهي ترشيق القطاع العام.
مع كل جوانب الأهمية السابقة، يظل تقرير ديوان المحاسبة محبطاً من جوانب أخرى؛ حينما ندرك أن الأخطاء ذاتها تتكرر، ونعلم أن المخالفات الإدارية التي تقود بالضرورة إلى فساد مالي، لا تخضع للمحاسبة؛ وليبقى المال العام ومصالح المواطن عرضة للتطاول.
لكن المحصلة أن الفائدة والنفع يتوفران من مجرد وجود هذه الوثيقة المهمة التي تضع الاختلالات والأخطاء على الطاولة في كل عام، لعل وعسى أن يتم علاجها يوما. فكل ما يرد في التقرير من ملاحظات هو شكل للفساد الإداري أو المالي أو غيرهما، واستغلال للنفوذ في بعض المواقع لتحقيق منافع شخصية.
حكومة د. عبدالله النسور شهدت أكثر من تقرير للديوان في عهدها، بلغت ثلاثة تقارير على الأقل. وليكون منذراً عدم تراجع حجم المخالفات، بل ربما ازدياده، وبما يؤشر إلى مسألة خطيرة يلزم الانتباه إليها، خصوصا من حكومة طالما تغنت بخلوها من الفساد.