"السلطة أحلى من المانجا"

هناك مثل يتداوله السياسيون السودانيون يقول: السلطة أحلى من المانجا. على اعتبار أنها الأحلى على اللسان، ولعل هذا ما حدث في دول الربيع العربي وخصوصا في اليمن ومصر وربما العراق التي لم تشهد ربيعا بعد.
فالمفترض في هذه الدول أن تجتث الحرس القديم، عندما تم خلع مبارك وخلع علي عبدالله صالح وتنحية المالكي، ولكن ذلك لم يحصل وكان الخطأ القاتل الذي أفسح الطريق لعودتهم إلى السلطة، وكأن ما حدث كان عبارة عن فترة سبات لهم، في حين أن أذرعتهم القوية في كل مفاصل الدولة والاقتصاد والجيش والأمن، ما تزال تعمل بكامل قوتها وعنفوانها.
ولعل اليمن تمثل النموذج الأكثر وضوحاً، فالرئيس المتنحي علي عبدالله صالح خرج من الشباك، ليعود من الباب ليحكم اليمن عبر آلته العسكرية، وعبر المال الذي نهبه من الشعب اليمني، وتحالف مع الحوثيين ووضعهم رأس الحربة في مشروع عودته إلى السلطة التي هي بالضرورة أحلى من المانجا، ودخل في عملية ثأر مع الشعب اليمني والجوار الخليجي، الذي أسقطه في انتفاضة الربيع اليمني.
وتحالف مع إيران، وربما مع الشيطان في سبيل تحقيق حلمه بالعودة والثأر، وكل ذلك يهون طالما أن وقود عودته الدم اليمني الذي أدار ثورته بكل حكمة وتحمل القتل، في سبيل خروج اليمن من سيطرة علي عبدالله صالح وعائلته على مقدرات اليمن.
والحال ينطبق على مصر، ولكن هذه المرة عبر الحزب الوطني الذي كان يحكمه حسني مبارك، فقد فشل الإخوان المسلمون وقبلهم الجيش في اجتثاث هذا الحزب وأنصاره الذين يحكمون مصر، فعاد الحزب لممارسة نشاطه كالمعتاد، من خلال وجوده المتأصل في كل مفاصل الدولة المصرية، بالإضافة لتحكمه في الاقتصاد المصري. ولم يفلح الرئيس السيسي بتكملة مشوار الثورة، لأن القوة الفاعلة على مستوى الدولة واقتصادها هم حرس مبارك القديم.
وسوف يعودون إلى المشهد السياسي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، بعد أن انتهت فورة الثورات، وعادت الأمور على سابق عهدها بكل سيئاتها، وضياع حلم التغيير الذي نشده البعض من هذا الربيع قبل أن يختطف!
العراق ليس بعيدا عن ذلك؛ فلا يزال المالكي الرجل الأقوى على الساحة العراقية، والذي يوجه المشهد السياسي لمصالحه الطائفية والسياسية، رغم كل ما يقال عن أن الرجل لم يعد له وجود فاعل في السياسة العراقية، ولكن واقع الحال يقول عكس ذلك تماما.
هذه المفارقات التي حدثت في دول الربيع العربي، تؤكد أن ما حصل للمخلوعين الثلاثة إذا جاز التعميم، كان عبارة عن فترة نقاهة جبرية فرضها الشارع واللعبة الدولية، ما لبثت أن انتهت.
عاد طعم السلطة يدغدغ حليمات اللسان، فطعم السلطة وشهوة الثأر من شعوبهم التي خرجت عليهم، ومن دعمهم فيها، ستبقى أحلى من المانجا ملايين المرات !