المطلوب.. قانون أحزاب يكفل حرية تأسيسها واستقلاليتها

الديمقراطية ليست شعاراً ديكورياً أو جملاً منمقة أو تصريحات للاستهلاك المحلي وإرضاءً لقوى عالمية، وإنما هي تشريعات وممارسات وفقاً للمبادئ العامة المتفق عليها والمتعارف عليها والمعمول بها في الدول الديمقراطية.
وللديمقراطية أركان يجب أن تكون مكفولة بالتشريعات الدستورية والقانونية، ودون ذلك لا يمكن أن نطلق على نظام حكام ما بأنه نظام ديمقراطي، ومن هذه الأركان التي تشكل أبجديات النظم الديمقراطية.
المواطنة وحرية التعبير وحرية التجمع السلمي، وحرية العمل السياسي والحزبي وحرية تأسيس مؤسسات المجتمع المدني وانتخابات نزيهة دورية وفق قانون يرسخ مبدأ عدالة التمثيل والانتخاب على أسس فكرية برامجية بعيداً عن الانتخاب الفردي.
وحين أن الأحزاب السياسية ركن أساسي، وحرية تأسيسها واستقلايتها بعيداً عن السلطة التنفيذية شرط أساسي لتعزيز الديمقراطية، لذا فإن أي قانون أو تشريع يفرض قيوداً على حق المواطنين بتأسيس الأحزاب أو الانخراط بالأحزاب دون خوف من المساءلة القانونية أو الأمنية، يشكل انتهاكاً صارخاً للعهود والمواثيق الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومؤسساتها.
والأردن الذي صادق على العهود الدولية ومنها العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية. وقام بنشره في الجريدة الرسمية، مما يلزم الأردن العمل بأحكام هذا العهد وإدماج أحكامه بالقوانين، دون أي إخلال بالالتزام الذي قطعه على نفسه من خلال المصادقة على هذه العهود، بل على السلطة التنفيذية أن تتحلى بإرادة جادة للإصلاح السياسي والاقتصادي وفقا لالتزاماتها الدولية، بأن توعز للسلطة القضائية «وإلى حين إجراء التعديلات على القوانين الناظمة للحياة السياسية»، بأن تكون هذه العهود المرجعية القانونية الأسمى في القضاء الأردني.
وحيث إن قانون الأحزاب على أجندة مجلس النواب لإجراء تعديلات، فالمطلوب من السلطة التشريعية أن تراعي المبادئ التالية، التي ستؤدي في حال الأخذ بها إلى تحسين صورة الأردن بمسيرته نحو تعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
أولاً: مراعاة أن يكون القانون منسجماً مع الدستور الأردني الذي كفل الحق للمواطنين بتأسيس الأحزاب، وكذلك متفقاً مع العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.
ثانياً: أن يكفل الاستقلالية وذلك من خلال إطلاق حرية تأسيس الأحزاب للمواطنين دون اشتراط حد أدنى للمؤسسين ودون اشتراط موافقة مسبقة مهما اختلف اسم الجهة صاحبة الحق بالموافقة على ترخص الحزب، والاكتفاء بالإعلام.
ثالثاً: عدم جواز حل الحزب إلا في حال لجأ إلى العنف، ودون ذلك، فإن التلويح بالحل حتى ولو من قبل القضاء يبقى سيفاً مسلطاً على حرية الأحزاب واستقلالها، فالقضاء يحكم وفقاً للقانون.
رابعاً: حق الحزب الاحتفاظ بخصوصية من حيث العضوية والاستراتيجية وآلية العمل. ودون ذلك فإن الهدف للوصول إلى تداول للسلطة التنفيذية يكون محل شك وعدم ثقة.
خامساً: أن يقتصر القانون فقط على الالتزام بالدستور وعلى الإعلان عن موازنته وميزانيته ومصادر تحويله بوسائل الإعلام المختلفة.
هذه الأركان تؤدي إلى تعزيز العمل الحزبي، وليس التقيد، فقد آن الأوان التقييم الحقيقي للقوانين المتعددة المعدلة لقانون الأحزاب منذ عام 1992 وحتى الآن، التي أثبتت التجربة أن هذه القوانين لم تساعد على تفعيل العمل الحزبي، وإنما عملت على تثبيط العمل الحزبي، وبالتالي عزوف المواطنين عن الانخراط بالأحزاب.
لقد آن الأوان أن نصدر تشريعات متوافقة على معايير الديمقراطية حتى لا نبقى في دوامة المطالبة بالتعديلات، لنجد أنفسنا أننا ندور في حلقة مفرغة، وهذا يعني أن المطبخ السياسي والأمني مطالب بالاعتراف بنضوج الشعب، والذي طالما اتهموه بعدم النضوج..