إعلانات الترف تثير حفيظة الفقراء

تخاطب زوجها بعد أن ملَّت من التسوق بأنها ترغب في تناول وجبة الغداء فيرد عليها أنه اكتشف أخيرا أحد المطاعم، لن تكلفه الوجبة الواحدة أكثر من 17 دينارا لا غير، طبعا كان الحوار خليطا من اللغتين الانجليزية والعربية في إشارة إلى من يقبلون على هذه الاشياء.
ذلك كان إعلانا يحمل صفة الترف في محطة إذاعية محلية، وفي آخر كان أحدهم يبلغ صديقه بأن وجبة فطوره اليومية لا تتجاوز السبعة دنانير ما يثير الفضول إلى من تم توجيه تلك الإعلانات وهل تثير حفيظة الفقراء أما لا؟
صحيح أن عمان صنفت أخيرا بأنها ضمن قائمة أغلى 50 دولة في العالم، ونعرف أن هنالك مرافق خمس نجوم سواء كانت فنادق أم مطاعم ومقاهي واستراحات وشاليهات، في حالة تتناقض والواقع الذي تعيشه أطراف المدينة ويكفي زيارة المنطقة الشرقية منها أو النزول إلى وسط البلد أيام الجمعة.
واقعيا، وبحسب أرقام رسمية فإن 51 في المئة من العاملين في الأردن يتقاضون رواتب بين 300 و499 دينارا، وهنالك من يتقاضى اقل من 250 دينارا، فكيف يمكن تفسير مثل تلك الإعلانات؟ أو حتى بمراجعة سريعة للمنشورات التي توزعها المطاعم يتبين أن أسعار الوجبات السريعة تفوق المعقول، علما أن من يعمل مسؤولا في أحدها أكد لكاتب هذه السطور أن نسبة الربح تتجاوز الـــ40 في المئة غير الضريبة المفروضة.
لسنا ضد الإنفاق لمن لهم قدرة على ذلك، فكل يعيش بحسب ما إمكاناته، لكن من الإجحاف أن نستبدل ثقافة العمل والإنتاج المجدي بثقافة الإنفاق التي غالبا ما تكون غير مبررة، فصفحات الصحف ووسائل الإعلام تعج بالإعلانات والمغريات وأولها وسائل الاتصال وتبعاتها، بينما في الدول المتقدمة تطغى ثقافة التشجيع على العمل والإبداع والابتكار على كل ذلك من خلال برامج تشجيعية وقروض لمشاريع صغيرة.
لم تعد الطبقة المتوسطة موجودة، فهي انحرفت باتجاه الفقر بسبب الاستهلاك المفرط وانسياقها لتلك الثقافة وبسبب الضغوط التضخمية والضرائب المفروضة ضمن قانون غير عادل «الضريبة غير التصاعدية» لدرجة أن البعض أصبح يملك هواتف بمئات الدنانير ولا يملك تعبئتها أو مركبات فاخرة بالأقساط وأحيانا لا يملك ثمن وقودها.
كشفت الزميلة سماح بيبرس في صحيفة الغد أن معدلات البطالة المتوقعة ستكون مفاجأة في وقت قريب بسبب السياسات المتبعة، والكارثة أن المعدلات التي سجلت بين 13.3 و14.4 في المئة لأعوام سابقة كانت ستكون 17 في المئة لولا أشكال المساعدات المقدمة من كافة المؤسسات الحكومية لدخل أسر، بما في ذلك المقدَّمة من صندوق المعونة الوطنية والتحويلات الحكومية المختلفة.
إذًا الحكومات تساعدنا لكي لا نعمل وتتنصل من وضع سياسات مجدية، في نفس الوقت يحاصرنا القطاع الخاص بإعلاناته لكي ننفق أكثر، بمعنى أننا نواجه مشكلة حقيقية في حال اجتمع الفقر والإنفاق، ووضعا في سلة واحدة كوننا في النهاية سننتج شريحة لا بأس بها، نصفها متسولون والآخر من اللصوص.