حروب طويلة أبدية أهدافها إقليمية ودولية !

عميدة المراسلين الصحفيين في البيت الابيض هيلين توماس سألت الرئيس جورج بوش الابن عن» عدم احترامه للخط الفاصل بين الدين والدولة «، وعن سبب انشاء مكتب ديني في البيت الابيض. لم يستطع الرئيس الاجابة على السؤال الجريء والشجاع، فارتبك وتلعثم، وكان آخر سؤال وجهته رئيسة المراسلين للرئيس بوش، فقد تم منذ ذلك الوقت منع هيلين من توجيه اية اسئلة لسيد البيت الابيض المحافظ، الذي وصفته في وقت لاحق بانه « اسوأ رئيس اميركي على الاطلاق «. وقالت في ذلك الوقت انه اذا تم اعادة انتخاب بوش لفترة رئاسية ثانية فان العالم سيدخل في مرحلة حروب ابدية.

وعندما كنت اتابع، في نشرات الاخبار يوم امس، التطورات الدامية في أكثر من بلد عربي مشتعل بنار الحروب الاهلية، والاشتباكات الطائفية والعرقية، التي فككت الدول وخربت نسيج المجتمعات، تذكرت اقوال الراحلة هيلين توماس. لأن نهر الدم العربي تدفق بسبب احتلال العراق، وبامر من الادارة المحافظة في البيت الابيض، من اجل مصالح الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة من منتجي الاسلحة وتجار النفط، وفي سبيل تدمير الجيوش العربية عبر حروب طائفية وعرقية وقبلية، انطلقت شرارتها من العراق بمباركة اميركية، وبتخطيط اميركي قائم على قاعدة افكار وقناعات كيسنجر وبريجنسكي وبرنارد لويس وريتشارد بيرل والادارة المحافظة في البيت الابيض.
وفي الحقيقة ان منطقتنا لم تهدأ منذ عهد جورج بوش « الرئيس المؤمن»، حيث كان احتلال العراق هو بداية الحروب الاهلية الطائفية، وهي حروب طويلة متنقلة متناثرة على مدى الساحة العربية هدفها تحقيق ديمومة التفوق العسكري الاسرائيلي من اجل ضمان أمن اسرائيل، وتكريس وجود الدولة العنصرية الدينية ركيزة مهمة وفاعلة في اقليم الشرق الاوسط، وبالتالي وصولها الى العمق العربي وانهاء قضية الشعب الفلسطيني، بعد انتزاع القضية من الذاكرة العربية.
وهناك مشروع اميركي غربي اكبرواشمل، من حيث عناصره واهدافه، وهوالمشروع المتعلق بمصالح الولايات المتحدة ودورها في استمرار قيادتها للعلم عبر النظام العالمي الجديد، الذي بدأ تحقيقه بسقوط جدار برلين، قبل اعادة بناء الدولة الروسية القوية وتقاربها مع الصين. فالولايات المتحدة لا تريد التخلي عن الحلم الاميركي الهادف الى الانفراد في قيادة العالم، والهيمنة على الدول من خلال السيطرة على النفط ومصادر الطاقة، والتحكم بالشعوب واخضاعها من خلال امتلاك القمح والغذاء، وهي قناعة موجودة لدى منظري اليمين الاميركي.
ولتحقيق هذه الاهداف كان لا بد من اشعال حروب تنهي طموح وتطلعات الدول والشعوب بتحقيق التنمية والتقدم. فالحروب في الشرق الاوسط هدرت اموال التنمية، واضعفت الجيوش العربية، وبالتالي شغلّت مصانع الاسلحة الاميركية.
اما بالنسبة للدائرة الاكبر والاوسع فقد قطعت واشنطن وحلفاؤها الطريق على المشروع النهضوي الروسي الواعد، عبر نشر الفوضى في حديقة روسيا الخلفية، بهدف اغراق موسكو في القضية الاوكرانية التي فتحت الطريق امام وصول الحلف الاطلسي الى الحدود الروسية. وربما في وقت قريب تفتح واشنطن ملف كوريا الشمالية لاشغال الصين في قضية اسيوية ساخنة قديمة جديدة، بهدف اجهاض ولادة عالم متعدد الاقطاب.
هذا المشهد يشير الى أننا نجتاز مرحلة انتقالية خطيرة متشابكة المصالح، متعددة اطراف الصراع، وقد تشعل كل دول المنطقة، او تشغلها لمرحلة مقبلة طويلة، او تغرقها في الفوضى والعنف، لا احد يستطيع التكهن بنهايتها. ومن المؤكد ان القيادة الاردنية مدركة لهذه الحقائق، وكذلك الحكومة والشعب، واعتقد ان الملك عبدالله الثاني، في حديثه لفضائية « سكاي نيوز»، قد عبر بصراحة ووضوح عن رؤيته وقلقه، وحملت عباراته رسائل واضحة فهمها الاشقاء والاصدقاء والحلفاء، بان القيادة لن تتردد او تتأخر باتخاذ القرارات والخطوات اللازمة لمواجهة كل التحديات لتحصين الاردن الآمن المستقر والحفاظ على مصالحه العليا.