الفرجة المجانية على أزمة الصحافة الأردنية


 

تعاني الصحافة الورقية في كل مكان بالعالم، وحتى فكرة المؤسسة الإعلامية كلها أصبحت بصدد المراجعة في ظل تطور تقنيات الإتصال، فلم يعد ضروريا أن يكون في موقع أي حدث مراسل مسلح بالكاميرا والاتصال مع الأقمار الصناعية، كثيرا ما يكون كافيا تواجد البعض ممن لديهم القليل من المعرفة بالإنترنت ومزودين بهاتف به كاميرا من نوعية متوسطة.
كل ذلك لا يبرر التراخي والاسترخاء الحكومي أمام أزمة الصحف اليومية في الأردن، ولنتذكر أن عدم اكتراث الحكومة في المحافظة على الصحافة الأسبوعية التي ازدهرت قبل سنوات في الأردن أدى إلى تغييب خط دفاع ضروري أمام الفكر المتطرف، فالأسبوعيات على الرغم من جميع الأخطاء، كان يمكن أن توظف للتنوير إلى حد كبير، ولكن ما حدث أنه لم يكن ثمة توجه أو رؤية لإدارتها في ذلك السياق.
في هذه المرحلة تتخفف الحكومة من مسؤولياتها تجاه الاحتفاظ باليوميات، وبالمناسبة، نفس أزمة الدستور والرأي موجودة في مصر في الأهرام والأخبار، وفي النهار والسفير في لبنان، وحتى الصحف الخليجية ليست بعيدة عن المعاناة، كما أن فكرة الصحف اليومية شبه الرسمية ليست صرعة عربية أو جزءاً من منظومة الإعلام الموجه، فالتوجيه تمارسه حتى الأحزاب والجماعات المختلفة، ولكن الصحف الرسمية وشبه الرسمية هي التعبير عن علاقة الدولة بالمجتمع في الحد المعقول والمقبول لتواجد التواصل، فالصحف اليومية هي من أدوات الدولة/ المجتمع، ولا يمكن أن يجري حل المعادلة خارج هذين المحورين.
الأهرام ما زالت تستقطب الكتاب والباحثين، وتدير مشروعات كبيرة تزيد من دخل المؤسسة، وقياسا بالحجم والمنجزات السابقة، فإن الرأي تعادل الأهرام بناء على فكرة التناسب بين عدد المتلقين والحصة السوقية، وربما كانت الرأي تتفوق في سنين مضت في ظل معيار الكفاءة في تحقيق الايرادات قياسا بحجم الاستثمار، ولكن الفرق أن الأهرام وبقية الصحف القومية في مصر بقيت في ظل دائرة الاهتمام الرسمي على اختلاف توجه الحكومة، بينما تعاملت حكومة الدكتور النسور بمنتهى عدم الاكتراث مع أزمة الصحف في الأردن، وتركتها لممثلي الضمان الاجتماعي الذين يفكرون في الأزمة من منظور مالي بحت.
الرأي مطالبة اليوم بأن تضع خطة للخروج من أزمتها، ولكن كل المقترحات ليست كافية دون وجود حالة من التبني تقوم بها الحكومة، والرأي تستطيع لو حصلت على الدعم والإسناد من جميع الجهات المختصة أن تعيد تأهيل إمكانياتها بصورة تجعلها تعود إلى وضعها المستقر ودورها الفاعل، ولكن ينقص الرأي الإدارة الصحفية التي يمكن أن تنظم توظيف الإمكانيات بصورة منتجة.
الإدارة الصحفية تختلف بالطبع عن العمل الصحفي والتحرير والعمل الفني والبحثي، فهي في النهاية معنية ببناء مراكز تحقيق الدخل وتسويقها محليا وعربيا ودوليا، فالرأي، مثلا، يمكن أن تعمل بوصفها مركز إسناد للعديد من المؤسسات والوكالات العالمية في المنطقة، وهذه فكرة لا يمكن أن تقيمها الإدارة الحالية في ظل التوتر، وبحاجة إلى إدارة مختلفة، دون أن يكون طبعا ذلك مدعاة لاستقطاب شركات استشارية من خارج الوسط الصحفي.
الحل إلى حد كبير في استقبال جميع الأفكار التي تخرج من موظفي الرأي، والصحافيين أصحاب الخبرة الطويلة، ومن ثم تقييمها في ظل الجدوى المتوقعة على أساس اقتصادي ومهني بحت، والأمر نفسه بالنسبة للزميلة الدستور وغيرها، أما حالة المتابعة الصامتة والفرجة المجانية فستذهب بقطاع حيوي (سياسي - اجتماعي - اقتصادي) إلى مصير مشابه لبقية مفردات الإعلام الأردني الذي لو تذكرنا كان يحتل موقعا رائدا قبل سنين ليست بعيدة.