هذا ما حدث في دوار الداخلية

طوال الأشهر الماضية من الحراك المجتمعي والاحتجاجات، كنا سعداء بأداء الحكومة في التعامل مع التظاهرات. وباستثناء اعتداء من أطلق عليهم "بلطجية" البلد على المتظاهرين، فإننا كنا فخورين بما يحدث، ونعتقد أن الأردن يقدم نموذجا جديدا لمسيرة الإصلاح والتغيير. ولكن ما حدث من اعتداءات في ميدان جمال عبدالناصر "دوار الداخلية" غير اتجاه البوصلة ودفع البلد والشارع نحو الاحتقان. فمن فعل ذلك؟ ولماذا قرروا أن يستخدموا لغة غير الحوار؟!

 

أريد أن أقول بداية إن رفض الاعتداء على المحتجين سلميا لا يعني أننا متفقون على شعارات الإصلاح، وأيضا لا يفهم من موقفنا أننا نؤيد الحركة الإسلامية في آليات تعاملها ورؤيتها وفي خياراتها، وحتى مكان الاعتصام يمكن النقاش حوله. وما يحتاج إلى تسليم لا يقبل الجدال أن حق المواطنين في التجمع السلمي مكفول، وأن الاعتداء عليهم مهما كانت المبررات مخالف للدستور ولمبادئ حقوق الإنسان!

 

كنت شاهد عيان على ما حدث في دوار الداخلية، ومنذ ما بعد ظهر يوم الجمعة كانت الأجواء متوترة، وتوحي بأن أزمة مخططا لها في الطريق. كان هناك ما يقارب 50 شابا يحاولون الوصول إلى المعتصمين ويرمون الحجارة عليهم ويشتمونهم بأقذع الشتائم، وقوات الأمن تمنع هؤلاء من الوصول إلى المحتجين ولكنها لا تفعل غير ذلك؛ لا تمنعهم من رمي الحجارة، ولا تحتجزهم لأنهم يعتدون على الآخرين.

 

لم تتخذ الأجهزة الأمنية إجراءات ضد من كان يعتدي على المحتجين في وضح النهار في وقت كان يصاب المعتصمون وحتى رجال الأمن بإصابات بالغة ناجمة عن الحجارة التي تتساقط عليهم، وجميعهم كانوا يعالجون في خيمة طبية أقامها شباب "24 آذار".

 

بعد الخامسة مساءً دخلت إلى دوار الداخلية من مبنى المحافظة أول مجموعة من قوات الدرك وقد استبشر المعتصمون وصفقوا لهم اعتقادا أنهم جاؤوا لحمايتهم، ولكن ما هي إلا دقائق حتى جاءت ناقلات الدرك وطوقت المحتجين ثم انهالت عليهم بالضرب بالهراوات وقامت بهدم الخيام التي نصبوها وفرقتهم برشاشات الماء.

 

هذا ما فعله الدرك، ليهجم بعدها الأشخاص المعارضون للاعتصام ليكملوا مهمة الضرب وتكسير أجهزة الصوت والاعتداء حتى على الصحافيين ليحتفلوا بانتصارهم على شباب "24 آذار" من دون أن يقول لهم أي مسؤول أمني توقفوا ولا يحق لكم أن تفعلوا ذلك!

 

المشكلة أن الحكومة وأجهزتها تعتقد أن مسؤوليتها تنحصر في تطويق المكان ومنع الاحتكاك، ولا ترى أن واجبها حماية المتظاهرين، ومعاقبة من يخرق القانون ويعتدي على الناس بالحجارة والشتم!

 

الأزمة لم تنته، فالإصلاح لا يمكن أن يتم تحت وقع الهراوات وحقن قطاعات من المجتمع وإيهامهم بأن الآخر ضد "النظام".

 

الأزمة لم تنته، لأن هناك من يدفع نحو شرخ رأسي في المجتمع، ويحاول أن يثير الرعب في نفوس الناس ليوحي أن الصراع ليس بين الإصلاحيين وقوى الشد العكسي التي لا تريد الإصلاح، بل يريد أن يقنعنا أن هناك حالة شد داخل المجتمع بين توجهات مختلفة، وأن الأغلبية الصامتة لا يعجبها طرح الشباب المحتجين ولا الأحزاب وقوى المعارضة، ولذلك قررت النزول للشارع لفرض رأيها وإرادتها، وهذا اختلاق لا يمكن تمريره على الأردنيين، بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك باللجوء إلى تهديد من يخالفهم في الرأي عبر اتصالات هاتفية مفبركة مجهولة المصادر حتى يرهبوهم.

 

بعد أحداث دوار الداخلية، على الإصلاحيين في الأردن أن يتوحدوا لقطع الطريق على من يحاول زرع الفتنة ودفع الناس لمعارك جانبية، عليهم أن يعلنوا قولا وممارسة أن زمن الإقليمية، والهويات الفرعية قد انتهى، وأن هذا أوان توحد كل الأردنيين من أجل الإصلاح والديمقراطية.