الربيع العربي : ثورات لم ترَ النور !!

بعد أن شهدت بعض الدول العربية موجات وحركات احتجاجية واسعة والتي أطلق عليها اسم " ثورات الربيع العربي " ، وأسفرت عن سقوط وتهاوي عدد من الأنظمة الحاكمة بينما تسير أنظمة أخرى في طريقها إلى السقوط وتعيش في حالة مستمرة من الصراعات ، وبعد أن حظيت هذه الثورات بقبول ورواج كبيرين من قبل الكثير من دول العالم ، وبعد مرور ما يقارب الأربع سنوات ونيف يتبادر إلى الذهن سؤال محوري وجوهري .. ماذا حققت هذه الثورات وإلى أين وصلت ؟؟ 


مما لا شك فيه أن ثورات الربيع العربي قد نجحت في جوانب بسيطة جدا ولكنها أخفقت في الكثير ، فلاحظنا أنها مكنت الشعوب من الخروج من حالة الصمت والخوف والخنوع والاستسلام للسلطة الظالمة فشكلت صرخة احتجاجية شعبية مدوية لخلق بيئة جديدة من الاصلاح والتغيير والقضاء على كل مظاهر الانحراف والتسيب التي أسست لدولة الاستبداد والفساد ، وقد بدت هذه الثورات بصورتها الأولية أنها حركات اصلاحية لتخليص الشعوب الثائرة من جور وظلم وتسلط الفئة الحاكمة ، إلا انها سرعان ما أخذت منحى آخر وانحرفت عن مسار تحقيق هدفها الرئيسي وتسببت بعواقب كارثية ومأساوية في الدول الثائرة وما حولها فانحدرت إلى الحروب الأهلية والصراعات والنزاعات الطائفية الدموية والتي أدت إلى سقوط ملايين الضحايا من الأبرياء ، أو انضمت إلى جانب الدول المنهارة والمتهالكة ، أو استبدلت بطغاة آخرين بحيث جعلت الكثير يغيرون نظرتهم نحوها ويعتبرونها خريفا عربيا !! . 

ويمكن ارجاع سبب اخفاق هذه الثورات وعدم رؤيتها للنور وفشلها في تحقيق ما تصبو إليه ، إلى مجموعة من العوامل التي تعتبر صعوبات ومعوقات أعاقت سير هذه الثورات بحيث أنها أدت إلى سرقتها بل وإجهاضها وعدم اكتمالها وذلك لكون هذه الثورات لم تنجح في اثبات هويتها ولم تستطع أن تقدم اجابات عن أسئلة جوهرية مرتبطة بالعلاقة ما بين الدين والدولة والعلاقة ما بين السلطة والشعب ، كما أنها لم تفلح في بناء مقدمات سليمة لخلق منهج دستوري متفق عليه من قبل كافة الأطراف ، ولم تتمكن من وضع قاعدة أساسية واضحة ومفهومة لبرنامج الاصلاح والتغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، فضلا عن تكالب بعض التيارات السياسية على الحكم والعمل على استخدام أساليب وطرق نظام الحكم السابق ولكن بحلة جديدة ، بالإضافة إلى انقضاض آفة الطائفية على البنية الاجتماعية لهذه الدول مسببة بذلك نزاعات وانقسامات طائفية ومذهبية وصراعات قبلية وعرقية دامية مدعومة من قبل أطراف التدخل الخارجي اقليميا ودوليا لكسب مصالح خاصة بهذه الأطراف .

وفي النهاية يمكن القول أن " ثورات الربيع العربي " حتى تكتمل وترى النور وتحقق الهدف الأساسي المنشود من قيامها وهو السير في طريق الحرية والكرامة والعدالة والاصلاح في كافة مجالات الحياة ، يجب أن تقوم على أساس وجود قيادات مؤهلة وعادلة تعمل على صياغة أجندة وطنية ديمقراطية تنموية حديثة تتضمن جميع القواعد الفكرية والاجرائية والتشريعية اللازمة لتأسيس دولة قانون ومؤسسات شفافة ونزيهة قادرة على احتواء جميع أطياف وشرائح المجتمع ، وترسخ المعنى الحقيقي لمبدأ المواطنة واعتناق لغة الوطن الواحد وتعزز ثقافة الاعتدال والوسطية والتسامح والتآلف والهوية الوطنية المشتركة والتعايش الآمن الساعي لاحترام العنصر البشري الذي يعتبر المحرك الأساسي لعمليات التغيير التنموي والاصلاح و التطوير الحضاري .