أبناؤنا العائدون من الجحيم

كيف سنتصرف مع أبنائنا "الضالين" – يعتبروننا ضالين- الذين تم تضليلهم والتلاعب بعواطفهم الدينية الفطرية فالتحقوا بالتنظيمات الإرهابية تحت عناوين خادعة مثل: الجهاد ونصرة أهل السنّة وإقامة دولة العدل والخلافة، إلى سوى ذلك من فخاخ ايدولوجية دينية انطلت على شبابنا.

أبناؤنا الذين وضعوا الجهاد والجنة نصب أفئدتهم، وتسللوا من معان والكرك والطفيلة والسلط والرصيفة واربد والرمثا والمفرق إلى العراق وسورية، ظنا منهم أنهم ذاهبون لنصرة الإسلام، يرغبون اليوم، وقد انجلت لهم الحقائق، في العودة إلى أطفالهم وزوجاتهم وأمهاتهم وأهليهم، من الجحيم ومن الجهاد المزيف، ومن الإرهاب الذي طال المسلمين أكثر مما طال المسيحيين والايزيديين والشيعة، وطال العرب أكثر مما طال الأجانب.

جلي وواضح أنه أوان عودة أبنائنا الذين يقدر عددهم بالمئات، خاصة بعدما تجلى أن التنظيمات الإرهابية التي جندتهم آخذة في الأفول والانحسار، كما هو شأن ومآل التنظيمات الإرهابية كافة على امتداد العالم والتاريخ.

في تجربة أميركا، آلهة الحرب في العالم، أنها خصصت برنامجا شاملا لإعادة تأهيل جنودها العائدين من حروبها في فيتنام وكمبوديا وكوريا وأفغانستان والعراق، والذين أصيب منهم نحو 30 % بأمراض واختلالات ما يسمى "اضطراب الكرب التالي للصدمة" أو "متلازمة ما بعد فيتنام" أو "مرتجفي الحرب" التي تولد اهتزاز فهم الشخص لذاته وللعالم من حوله وتتجلى في أعراضٍ نفسية وعقلية، ينجم عنها الانتحار- العنف ضد الذات أو العنف ضد الآخر والإدمان على المخدرات والكحول والفصام وصعوبة الانخراط في الحياة والهياج واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.

وليست مخفية تجربة الأجهزة الأمنية المصرية التي كرست برنامج حوار واسعا طويل النفس مع التكفيريين في السجون المصرية من اجل إعادة إدماجهم في المجتمع ونزع فتيل الحقد والغضب والغل والتكفير منهم.

ستنتهي موجة الضلال والتضليل الراهنة، وسنصل إلى لحظة الحقيقة المتمثلة في عودة أبنائنا من الموت والرعب والدم، وسيتضح من تورط منهم في دماء الأبرياء ومن ولغ فيها ومن جنّد ومن ضلل ومن ذهب بدوافع طاهرة وظل مسلما حقا يعرف أن للدم حرمة وان له عصمة.

يجدر أن نعد لهؤلاء الأبناء العدة، برنامج تأهيل علمي، امني طبي سياسي ديني ثقافي إنساني مهني، يقدس لديهم قيمة الحياة الإنسانية وجدارة عيشها وحلاوتها ويعزز لديهم فكرة النجاة وفرحتها، ويوفر لهم الإسناد الاجتماعي، وينمي عندهم أفكار التسامح وقبول الآخر والتعددية والقانون والحق والعدل والخير.

سيعود بعضهم وهو يحمل في قلبه غلا وحقدا على العالم الذي "لم يخضع ولم ينخرط في فسطاط الإسلام وولايته"، سيعود بإحساس المنقذ المخذول والإحساس المر يملأ قلبه، بسبب "تآمر العالم على مشروع كان سينقذ الأمة من ضلالها وسيعيد لها كرامتها ودورها".

المقاربة الأمنية لهذا التحدي المقبل، على ضرورتها وأهميتها، لا تكفي مع شباب خضعوا إلى أقصى شحنات التطرف والعنف والرعب والغلو، مع شباب حملوا أرواحهم على أكفهم من اجل هدف آمنوا به، فالسجون هي ابرز مفرخات الإرهاب والانحراف والتطرف، والسجون هي البؤر التي تحوي المجرمين وتجار المخدرات والمدمنين والإرهابيين، ونحن لا نريد قطعا أن يتحول أبناؤنا من "تجارة الجهاد" إلى تجارة المخدرات.

أبناؤنا العائدون من الجحيم سنحاذر أن ينقلوا لنا الجحيم.