كبت وفتاوى!

أياً كان مصدر الفتوى الأخيرة التي تداولتها وسائل الإعلام العربية بدرجات متفاوتة، ووسائل الإعلام العالمية بشكل كبير، فإنها تشي بأزمة كبت تاريخية لم نتخلص منها على مدى قرون من الزمان، ننفثها ونُنَفسُ عنها بفهمنا المغلوط للدين والصور المشوهة التي نصوغها بشلال الفتاوى المتلاحقة.
آخر ما نُسب لأحد الدعاة، ورغم نفي جهات دينية رسمية في السعودية، فتوى عبقرية مفادها أن الرجل بمقدوره في حالات الفقر الشديد والكوارث أن يأكل زوجته ليأمن جوعه، وهو ما يحمل في طياته نظرة احتقار للمرأة ودورها وجسدها وروحها معاً.
الفتوى الأخيرة تُضاف إلى سلسلة طويلة تزداد كل يوم إلى باقة الفتاوى التي توجهت لقضايا المرأة من باب التحليل والتحريم في صورة بالغة الوضوح لحجم الانتهاك الذي تتعرض له المرأة في عقلية الدعاة والمفتين العرب وسعيهم الحثيث لتوزيعها في عقول جاهلة تتأثر بشكل لافت بهؤلاء الدعاة.
الغريب أن القاسم المشترك بين معظم الفتاوى وأكثر المعاني تكراراً هو الجنس وعلاقة الرجل بالمرأة، وخصوصيات ودواخل البيوت.
الكبت الذي تختزنه العقول وتعبر عنه بضحالة الأفكار والفتاوى، تُحدث عن ضرورة تحريم الخلوة الالكترونية؛ أي اختلاء المرأة مع نفسها في شبكة الإنترنت مع وجوب توفر مَحرم شرعي لها عند شروعها الدخول إلى مواقع الشبكة العنكبوتية.
هي آراء شخصية يحاول أصحابها مساندتها بآيات وأسانيد من الحديث وبعض من القياس والكثير من الاجتهاد، لكنها تجد آذاناً صاغية من الآلاف الذين يحرصون على الأخذ بها وتطبيقها في حياتهم ومسلكياتهم.
بعيدا عن الفتاوى أيضاً يبدع الدعاة وهم كثر الآن، في عرض أفكارهم بالسبل كافة وباستخدام الطرائف والأمثلة وحتى التطرق إلى مسلسلات التلفزيون ونجوم السينما حتى يفشوا أفكارهم بين الشباب بكل ما تحمل من كبت وبُعد عن الواقع وتداخل في الأولويات.
حتى في المعلومات التي ينقلها دُعاة يدّعون فكرا وثقافة لا وجود لها، يتحدثون عن دراسات اطلعوا عليها مثل البحوث العلمية التي أثبتت أن النظر الى المرأة المتبرجة بشهوة يؤدي إلى تدمير خلايا الدماغ، أو الدراسة التي أثبتت أن اللحية في وجه الرجل تعزز قواه الذكورية، بين كل الفتاوى وأفكار الدعاة تجد المرأة في مكان ما. علينا أن نكسرها بعلمنا.