أليس فيكم رجل رشيد؟

 

أليس فيكم رجُلٌ رشيد؟

 

معن أبوطبنجة

28-3-2011

 

ان المتابع للاحداث المؤسفة التي تجري على هذه الأرض المباركة يوقن تماماً بأن ما يحدث لا يمكن قبوله من أي طرف كان تحت أي ظرف من الظروف , وما حدث على دوار الداخلية أكبر دليل على ان هناك فتنة تلوح بالأفق وهناك أخطاء بالجملة ارتكبها الطرفين , فلنبدأ بالحديث عن من يسمون انفسهم جماعة 24 أذار , فهؤلاء الذين ارتكبو خطأ جسيماً بالسماح للأسلاميين وبعض الأحزاب بالأندساس فيما بينهم وقلب شعاراتهم من الأصلاح بالمطالبة بالقضاء على الفساد الى المطالبة بأصلاح النظام والمناداة بالملكية الدستورية التي تعبتر خطاً أحمراً لأسباب استراتيجية واسباباً تتعلق بالنسيج الأردني الذي يصعب تطبيق مبدأ الملكية الدستورية لا بل من وجهة نظري فأن الملكية الدستورية في مجتمع مثل المجتمع الأردني مثل نظرية قطار الزمن لأينشتاين مستحيلة التطبيق , فمجتمعنا الذي تعد العشائرية والجاهوية والفزعة احد ابرز سماته من مئات السنين مجتمع قبلي بالمقام الأول والأخير ومن الثابت انه من المستحيل أقناع الناس بترك العشائرية والفزعة والمحسوبية لأن تركها يحتاج الى مئات الأجيال التي يجب أن تأتي مستقبلاً وتعي ان الحرية غير مرتبطة بالصداقة ولا القرابة ولا المعرفة ولا الوجاهة ولا العشائرية ولا الأنتماء الضيق لحدود المنطقة أو العشيرة التي يعيش فيها الفرد , لا اريد الحديث عن الانتخابات النيابية كمثال حتى لا يقول البعض بأنها قد زورت ولكن سأضع بين أيديكم أنتخابات الجامعات مثالاً واقعياً يعكس الحقيقة التي لا يستطيع أي شخص تجاهلها وهي الفزعة والأنتماء الضيق للقرابة والعشيرة والأقليم على حساب الكفاءة والأفضلية لا وبل يتعدى الامر الى حدوث مشاحنات وتفرقة ومشكلات بين أبناء البلد الواحد فترى ان طلاب العشيرة الفلانية قد تشاجرو مع طلاب العشيرة الفلاينة وهم أبناء المنطقة الواحدة والطلاب من المنطقة الفلانية شكلو مجموعة من الطلبة بعد شحنهم بالطاقة نتيجة التحريض على الفزعة وانه طلاب المنطقة الفلانية يجب ان يتسيدو الموقف , وقد يطل علينا بعض الأخوة من يقولون ان الحكومة تريد هذا وتريد أن يتشاحن أبناء البلد الواحدة , هذا الكلام مردود على أصحابه لأن الفكر موجود وقد تربينا عليه ومبدأ أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وأبن عمي عالغريب هو حال 99% من العرب ولا علاقة للحكومات بهذه الأفكار.

 هذا على مستوى الجامعات فما بالكم لو كانت الأنتخابات بتشكيل حكومات ورؤساء حكومات؟ أن على يقين مطلق بأن الملكية الدستورية هي الفتنة الأكبر لهذه البقعة المباركة فـنسيج المجتمع كما اسلفت سابقاً يعد التحدي الأكبر على الأطلاق للملكية الدستورية ولا يمكن تغيير النسيج والفكر الذي تربت أجياله القديمة والحديثة والقادمة على مبدأ "أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي عالغريب" , الفتنة التي ستحدث هو بث بذور التفرقة والعداوات بين أبناء الشعب الواحد وتفتيت عضد الوطن وكثيرٌ ممن يدعون لها لا يدركون نتائجها السلبية وانعكاساتها الخطيرة على الوحدة الوطنية.

أما بالنسبة للطرف الأخر (وأنا لست مدافعاً عن أي أحد من الطرفين) ولكن أنا على يقين بأنهم خرجو بعفوية لتقويض أي محاولات يقودها اندساس الحركة الاسلامية التي تسعى لتخريب البلاد والعباد – وهو السبب الذي دعاهم ليفعلو ما فعلو من رشق بالحجارة من منطلق حرصهم وحبهم للوطن والخوف عليه ولو أن التعبير كان خاطئاً جداً بالرشق والاعتداء على المتظاهرين . فالمظاهرة التي بدت في حركة 24 أذار تجعل من المتابعين التيقن بأن رائحة مخطط عفن تقوده الحركة الاسلامية ومن يسمون انفسهم اسلاميين وبعض اليساريين بدءاً من المبيت في الدوار ونصب الخيام على طريقة مصر ومحاولة جمع أكبر عدد من أبناء البلد للتدرج في الشعارات من الشعب يريد اصلاح النظام الى الشعب يريد اسقاط النظام وانا على يقين ان السواد الأعظم من شباب 24 أذار قد غرر بهم و سارو على غير دراية  بالمخططات المقيتة والمبيتة والتي لا يريد قادتها سوى القضاء على البلد وتدميرها وهي التي جعلت هؤلاء الشباب يغضبون لما حدث وما يحدث وما يطلق من شعارات غير مقبولة وهو السبب الذي دفعهم لرشق المعتصمين بالحجارة ولا يمكن قبول الرواية التي ترددها ابواق اليساريين وابواق الحركة الاسلامية من ان هؤلاء مدفوعين من قبل المخابرات او من قبل الحكومة لأحداث شرخ في نسيج المجتمع المتماسك وما يتردد على لسان الاسلاميين من اتهام جهاز المخابرات هو عذر أقبح من ذنب , كما أن البيات واطالة مدة الاعتصام والتظاهر هو الخطأ الذي وقع فيه شباب 24 أذار , فالأعتصام لا يجب ان يكون اكثر من ساعة أو ساعتين وتصل الرسالة الى المسؤولين ثم يعود الجميع الى بيوتهم ولولا تدخل رجال الدرك والامن العام وفض الاعتصام بالقوة لحدث مالا تحمد عقباه وهو ما يسعى الاسلاميين واليساريين ومن خلف الاعتصام للوصول اليه ليجعلوها حجة ضد النظام.

انا ضد ما حدث جملة وتفصيلاً وضد الأعتصامات المتكررة هي خطأ وأنا القي باللوم على وزارة الداخلية ووزير الداخلية الذي سمح بالاعتصامات دون موافقة مسبقة وهو ما سبب الفوضى وجعل كل شخص ليس لديه ما يفعله القيام بالأعتصام , فضلاً عن تأثيرات هذه الاعتصامات السلبية على امن واستقرار الوطن وما يفعله الكثيرين من استغلال الضروف التي تمر بها المنطقة لتحقيق مأربهم الشخصية والاستقواء على الوطن , وعدا عن ذلك فهي تعكس صورة قاتمة عن الوطن بأنه غير مستقر وهو ما من شأنه أن يزعزع اقتصادنا الوطني الضعيف ويسبب بخسائر كبيرة تضعف العملة وتساهم في هبوط قيمتها , وفي النهاية فأن أعداء الوطن هم المستفيد الأول لان السياسة الحالية هي الاحتلال النظيف أي بدون حروب ويقوم مبدأه على اضعاف البلاد وضرب ابناءه ببعضهم واضعاف اقتصاده وهز كيانه ليتم فيما بعد الأجهاز عليه بكل سهولة وهو المأرب الذي لا يسمح ابناء الاردنيين الشرفاء لأعداء الوطن بتحقيقه.

كلنا نحارب الفساد بكل ما أوتينا من قوة وكلنا شعاره لا نتنازل عن هذا الحق وهو مطلب جميع فئات وأطياف الشعب لكن الاعتصامات المتكررة تعطل مسيرة الأصلاح بحيث تصبح الشغل الشاغل للحكومات وتبعدها عن الهدف الذي يسعى اليه ابناء الشعب الواحد بجميع اطيافه ومنابته وهو محاربة الفساد.

مرة اخرى اقول انني ارفض الأعتصامات جملة وتفصيلاً وأطالب بمنعها تحت اي ظرف من الظروف ولأي سبب كان فقد وصلت رسائل الجميع دون أستثناء وقد حان الوقت للنتظر لألتماس النتائج المنشودة والأهداف المرجوة من الحكومة والتي ننتظرها منها وأنني من هذا المنطلق أوجه الدعوة للجميع , الاعتصامات فتن بغيضة وحق يراد به باطل فلا تدعو المتسلقين والعابثين أن يهددو وحدتنا الوطنية لتحقيق أهدافهم المنشودة رسائلكم وصلت وعليكم أن تحزمو أمتعتكم وتعودو الى بيوتكم تنعمو بالأمن والاستقرار والطمأنينة وتنتظروا نتائج محاربة الفساد وتوفير فرص العمل وتحسين المعيشة وهو مطلب الجميع وعلى رأسهم جلالة الملك وأومره صارمة ولن يتهاون مع احد يتخاذل أو يتلكأ في محاربة الفساد , نقطة اخرى لا بد أن اشير اليها وهي ان الفساد منتشر بشكل كبير ولم تعد هناك معجزات الهية فالحكومة لا تملك عصى موسى تحرك بها أو تلقيها على الفساد فيزول المسألة تحتاج الى وقت وهي مسألة معقدة نوعاً ما وتصطدم بأجراءات قانونية تحتاج الى وقت حتى نلمس أثارها ولا أدافع عن أحد كما قلت ولا أسوغ المبررات للحكومة لكن المنطق والواقع يفرض نفسه علينا ونجد نفسنا مجبرين على الانتظار لنلمس النتائج فالله عزوجل الذي بيده "كن فيكون" قد خلق السموات والأرض في ستة أيام ليعلمنا انه لا يوجد شيئ يحدث بسهولة وكل شيئ يحتاج الى الوقت حتى نستطيع تحقيقه.

الأعتصامات هي الفتنة الأكبر التي تفتت ساعد وعضد البلد وأبناء الشعب لذا أرجوكم ان تتحلو بالحكمة وأن لا تنساقوا وراء الشعارات والتقليد الأعمى يجب أن نحافظ على وحدتنا لأن المنطقة تمر في أوقات عصيبة والحرائق تشتعل حولنا في كل مكان يجب ان توقفو هذه الاعتصامات والمسيرات ونقف وقفة رجل واحد في وجه كل من يحاول أن يقوض أمننا واستقرارنا في بلد عرف العالم بأسره بأنه واحة للأطمئنان والأمن والأستقرار , رسائلكم وصلت وأنتظروا النتائج ولا تسمحو للمتسلقين ولقلة من الشباب الطائشين الذي انساقوا وتحركو بفعل شحنات من التحريض على حق أريد به باطل وأقول لكل من تسول له نفسه بالعبث بأمن البلد وأستقراره وتقويض وحدته الوطنية "تلك هي أمانيكم" ولن تتحقق.

أتمنى أن يعلم الجميع بأن المحبة والأخوة هي شعار كل الأردنيين بمختلف منابتهم وأطيافهم وانتمائاتهم والأخوة قد تحدث بينهم مشاحنات ثم لا تلبث أن تنتهي وتبقى الأخوة ورابط الدم والمحبة وحب الوطن هو الرابط الذي يجمعنا والذي لا يمكن تفتيته وما حدث سيبقى مجرد زوبعة في فنجان , والمتسلقين الذين يريدون شراً بأبناء الوطن لتحقيق مأربهم الضيقة أقول لهم كما قال نبي الله لوط عليه السلام لقومه "أليس فيكم رجل رشيد؟".

حمى الله الاردن والاردنيين وكلنا سنبقى تحت مظلة وراية الهاشميين الذين هم صمام أمان لوحدتنا الوطنية

 

والله من وراء القصد.

 jordannet@hotmail.com