الأسير الفلسطيني والعربي


يعيش الأسرى الفلسطينيون والعرب في سجون الاحتلال حياة قاسية وبالغة الصعوبة ، حيث تتجسد المأساة جرّاء الممارسات القمعية واللاإنسانية التي تمارسها سلطات الاحتلال وإدارات السجون بحق هؤلاء الصامدين خلف القضبان ، أن الأسرى البواسل في السجون الظالمة إياها قد حوّلوا حياة القيد إلى حياة شموخ ، فالموت الذي يزرعه السجّان اللعين يقابله صمود وتحدي ، والانتهاك يقابله ثبات وإرادة ، وإننا اليوم نقف وقفة إجلال وإكبار أمام عظمة الأسرى في سجون الاحتلال ، هؤلاء الذين كانوا ومازالوا صامدين في وجه غطرسة المحتل الجبان ، لا زالوا يسطرون بصمودهم أروع معاني العزة والإباء , السجن ، المُعتقل ، الأسير ، المحامي ، المحكمة ، الحُكم ، المؤبّد ، الإداري ، النّقب ، عوفر ، الإضراب ، الكنتين ، العزل، ... مفردات تتمدّد في ذاكرة ووجدان الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وأجياله ..
فالطفل يرددها منذ ولادته لأنه قد يولد وأبوه أو أمه أو أخوه أو جده معتقل! والشاب لا بدّ أن تكون هذه المعاني إحدى حكاياته اليومية. معاناة أم ملهاة ، غضب أم فرح ، إذلال أم كرامة , وأما العجوز فيتوسّدها في قبره , لأنه غالباً ما يفارق الحياة وهو يتلوّى شوقاً لضمة حبيبٍ خلف القضبان ، فيكون الموت أسرع إليه من ذلك! الزمان والمكان عند كلّ فلسطيني يتلوّنان بطيف هذه المفردات! فالزمان إما حاضر متخمٌ بهذه المفردات وظلالها , يقظة ونوماً ، صحواً وحلماً ، حقيقة ووهماً. والمستقبل لا يعني عنده إلا تاريخ الإفراج المتوقّع أو موعد المحكمة المؤجل ، أو الدهر الباقي من زمن المؤبّدات . والماضي بعضُ ذكرياتٌ سرقها على حين غفلةٍ من المحتل قبل أن توضع الأصفاد في يد الحبيب ، أو يوصد باب زنزانته فيحال بينهما إلى أمدٍ بعيد! والمكان يُجسّد هذه الظلال في شخوص يتحسّس ويشم آهاتها , أو قد يكون الحافلة التي تقلّه للزيارة الموعودة بعد سنين من المحاولات ، أو الحاجز الذي يُذلُّ عليه لساعات حتى يدخل أرضه وبيته ، وقد يكون بيت ابنه الأسير أو سرير ابنته المعتقلة إدارياً! وقد يكون هو كلّ ما يراه حوله من الوطن الأسير خلف الجدار والمعابر والحواجز والجسور! أو لعله ليس كلّ ذلك! وإنما ما جَمُدت عنده دنياه من أسماء. النّقب ، مَجِدّو ، نفحة ، عُوفَر ، رامون ، عسْقلان ، هَداريم ، بئر السّبع ، جَلبوع ، مستشفى الرملة (المسلخ)، هشارون! نعم , ليس هذا مبالغةً أو نحتاً لصور عاطفية خيالية ... 
بل هي الحقيقة أو أقل! وإلا فماذا يعني أن يكون رُبعُ الشعب الفلسطيني داخل السجون ؟ ببساطة يعني أن كلّ عائلة فلسطينية جرّبت اعتقال أحد أفرادها على الأقل مرة واحدة على الأقل! وبالتالي عاشت كلّ تلك المعاناة بتفاصيلها وأكثر! لعل جولة سريعة على نُتَفٍ من هذه التفاصيل تعطي بعض صورة على حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني على مدى عقود . وبمناسبة يوم الأسير الفلسطيني البطل ، فإننا لابد أن نسلط الضوء على جرائم الاحتلال بحقه ولابد أن نكشف عن معاناة أسير يعيشون ظروفا معيشية قاسية ، بينهم أسيرا مريضا بأمراض خطيرة ومزمنة وبحاجة إلى العلاج ، وهذا بطبيعة الحال ناتج عن سياسة الإهمال الطبي الممنهجة التي تتعمد سلطات الاحتلال ممارستها بحق الأسرى في السجون ، كما أن من بين الأسرى مئات ألأطفال والنساء والشيوخ والنواب ، وهؤلاء كلهم يمارس بحقهم الاضطهاد والتعذيب الجسدي والنفسي الشديدين ، في ظروف اعتقالية تفتقر إلى أبسط الحقوق التي نصت عليها المعاهدات والمواثيق والأعراف الدولية. 
إن هناك العديد من المخالفات التي ترتكبها سلطات الاحتلال وإدارات السجون بحق الأسرى في السجون وتعتبر هذه المخالفات تجاوزا واضحا للقانون الدولي ومن هذه الانتهاكات والتجاوزات , سياسة منع الأهالي من الزيارات ، حيث أن قرار الاحتلال بمنع أهالي الأسرى من زيارة أبنائهم في سجون الاحتلال خاصة أسرى قطاع غزة ، يعتبر جريمة بحق القانون الدولي ، الاحتلال لا يراعِ هذه الاستحقاقات ، بل يعطي لهذه الاتفاقيات الأذن الصماء ، ويضرب بهذه المواثيق عرض الحائط ، وعلاوة على ذلك فإنها تنتهك كل بنود نص اتفاقية مناهضة التعذيب ، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية.. . بالإضافة إلى ذلك فإن سلطات الاحتلال تنتهك القانون الدولي من خلال ممارستها لما يسمى بالاعتقال الإداري وهو اعتقال الأسير بدون تهمة أو محاكمته اعتمادا على أدلة تسميها قوات الاحتلال بـ "الأدلة السرية " وأنه لا يحق لأحد الاطلاع عليها ، وهي حجج واهية وكاذبة تتخذها سلطات الاحتلال من باب العجز عن إدانة الأسير ..
في يوم الأسير الفلسطيني يجب العمل على الإفراج عن كافة الأسرى في سجون الاحتلال خاصة الأسرى الأطفال والأسيرات والأسرى النواب المختطفين والأسرى الإداريون والأسرى القدامى والأسرى المرضى ، وندعو الحكومات العربية والإسلامية إلى الوقوف عند مسئولياتهم وضرورة وضع حدا لمثل هذه المهازل التي تجري علنا ، ونطالب بأن يمارس الجميع الضغط على الاحتلال من أجل إنهاء معاناة هؤلاء ، كما ونطالب المجتمع الدولي بعدم الكيل بمكيالين وأن ينظر بعينين اثنتين إلى الواقع الأليم الذي يعيشه الأسرى في سجون الاحتلال اللعين ..
بقلم جمال ايوب