الخيارات الرسمية تجاه الإخوان .. الاستنزاف أم المواجهة؟

رأى بعض المتابعين في زيارة رئيس الحكومة ورؤساء وزراء سابقين لبيت عزاء المراقب العام للإخوان بوفاة ولده لفتة وربما مؤشرا إيجابيا تجاه مستقبل إدارة العلاقة بين الطرفين، عزّز ذلك - في رأيهم - مذكرة عدد من النواب للمطالبة بعفو خاص عن نائب المراقب العام المعتقل منذ عدة شهور على خلفية قضية تتعلق بالتعبير عن الرأي، والتي قد تتخذ الحكومة موقفا إيجابيا إزاءها في الأيام المقبلة.
ما مدى صحة هذه القراءة، وهل هي مؤشرات إيجابية بالفعل، أم أن للأمر تفسيرا آخر؟
كثيرون يتمنون أن تصدق القراءة المتفائلة لمستقبل العلاقة، فمن شأن ذلك أن يجنّب الجميع انعكاسات سلبية للتصعيد والتأزيم، لكن ثمة قراءة أخرى حذرة لا يمكن استبعادها وترى أن ثمة استراتيجيتين محتملتين لسلوك الجانب الرسمي تجاه الإخوان في الفترة المقبلة:
الأولى: إرباك الجماعة واستنزافها وإشغالها بصراع طويل على الشرعية القانونية والواقعية مع الجمعية المرخّصة، بحيث يكون هناك جسمان متوازيان يعملان في آن واحد وساحة واحدة، الأمر الذي من شأنه أن يضع الجماعة أمام ضغط متواصل، ويشغلها عن تنفيذ برامجها السياسية والمجتمعية.
والثاني: تصعيد المواجهة مع الجماعة وإخراجها عن دائرة الشرعية القانونية والواقعية، ما يستدعي مزيدا من التصعيد والتضييق، ربما وصولا إلى كسر العظم.
ومن الواضح أن الجانب الرسمي اختار المسار القانوني والقضائي للتعاطي مع أي من الاستراتيجيتين حال اعتمادها، بحيث تبدو الحكومة والأجهزة الرسمية محايدة إزاء الإجراءات التي تستهدف الجماعة، ويتم الحديث عن حياد الحكومة وعدم تدخّلها أو اتخاذها موقفا سلبيا تجاهها، وأن القضية برمتها قانونية لا علاقة للحكومة بها من قريب أو بعيد، وسيتم حينها الاستشهاد باللفتات الإنسانية المتعلقة بزيارة التعزية والموقف المرن تجاه نائب المراقب العام المعتقل، كمؤشر على حياد الحكومة وعدم استهدافها للجماعة.
لكن هل ينجح ذلك في إعفاء الحكومة من مسؤولية التصعيد، سواء اعتمدت استراتيجية الإرباك والإشغال والاستنزاف، أم اعتمدت سياسة المواجهة والضغط وربما كسر العظم؟
ثمة قناعة بأن القضية برمتها سياسية، وأن البعد القانوني تم استدعاؤه واستحضاره في إدارة الأزمة لاعتبارات معلومة.
مواقف الجانب الرسمي وخياراته الإقليمية باتت واضحة، فالأولوية لمواجهة الإرهاب، وعوضا عن التعامل مع الإخوان كشريك مهم في مواجهة الفكر المتطرف وإشاعة روح الاعتدال، اندفعت الرؤية الرسمية باتجاه التوافق مع موقف النظام المصري وبعض الأطراف الخليجية في محاولة وضع الإخوان وداعش والقاعدة في سلّة واحدة هي سلّة الإرهاب، وإن كان الجانب الرسمي تجنّب التساوق خلال شهور ماضية مع توجّهات حلفائه الإقليميين الذين صنّفوا الإخوان كجماعة إرهابية.
وإذا كانت انحيازات الجانب الرسمي الإقليمية عاملا مؤثرا دون شك في إدارته للعلاقة مع الإخوان، فإن العامل الذاتي والقراءة السياسية والأمنية لها دور مهم وكبير كذلك في تحديد طبيعة العلاقة بين الطرفين.
الحاجة ملحّة للتصرف بحكمة وكثير من العقلانية مع ملف حسّاس وشائك للغاية كملف العلاقة مع الإخوان، ولا يخدم مصلحة أحد دفع العلاقة باتجاه المواجهة.