هل فعلا كانت السعودية مستهدفة بعد سورية؟

اخبار البلد-
 

إسماعيل القاسمي الحسني

فضلا عن مطالعة ما كتبه أبرز منظرّي السياسة الأمريكية من حجم برنارد لويس، و متابعة أهم مراكز الأبحاث و الدراسات الإستراتيجية، كانت هناك مؤشرات خفية بأن أصابع الغرب، دخلت على خط حركة الشارع العربي، بشكل ملحوظ مباشرة مع انتفاضة الشعب المصري 2011، ما دعاني حينها لكتابة مقال بصحيفة القدس العربي تحت عنوان: حتى لا تسرق ثورة الشعبين التونسي و المصري. و استعرضت عبره القرائن التي تستحق التأمل بعمق، و من بينها الإشارة لخارطة جديدة رسمت لعالمنا العربي و الإسلامي، و قد استحدثت فيها دول جديدة وفق معايير عرقية و مذهبية و قبلية، و لعل القارئ يذكرها بعد أن تداولها لدى مؤسسات إعلامية بارزة العام الماضي، و ركزت عليها بما تستحق من عناية؛ و لا شك كذلك أنه يذكر تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس 2006 إثر العدوان الإجرامي على لبنان، حين بررت الموقف بمخاض عسير لمولد شرق أوسط جديد.

لا يحتاج المرء لعبقرية استثنائية، و لا لاطلاع عميق و واسع للإجابة عن سؤالين أرى من الضرورة الوقوف عليها، السؤال الأول: هل يسمح العالم الغربي بقيام دولة عربية قوية عادلة مستقلة القرار، فضلا عن سماحه لقيام اتحاد دول عربية وفق ما نراه مثلا في أوروبا؟ أكاد أجزم بأن الإجابة معروفة لدى أغلبية المواطنين العرب، و التي تتجاوز حرف النفي "لا” إلى حرف الجزم "لن”؛ و السؤال الثاني: ألا نرى على أرض الواقع، ما كان يصفه البعض منا، بمجرد تنظير منحصر في عقدة المؤامرة، في السودان و ليبيا و العراق و سورية و نيجيريا؟ إن تقسيم الخرائط و ابتداع دول لا يأتي بكبسة زر، و إنما وفق تطورات على الأرض، لا ينكر مؤشراتها الواضحة اليوم إلا مكابر أو مصاب بعمى الألوان.

منذ عامين و نصف العام، جمعني لقاء بسفير لإحدى الدول العربية المركزية، و أثناء الحوار سألني عن مرتكزات موقفي من الأزمة السورية، الذي كان يبدو حينها خارج سرب تيار أغلب المحللين السياسيين   و المتابعين في المشهد الإعلامي العربي، فعرضت بعض ما أمكنني استحضاره و من بين ما استشهدت به في ختام الرد، أن المخطط الأمريكو-غربي يضع الجزائر هدفا مباشرا بعد اسقاط سورية، و الحال أن الجزائر تتوفر مثلها مثل أغلب أو كل الدول العربية، على أدوات قابلة للاشتعال، و طبقات اجتماعية واسعة ساهمت الأنظمة في هشاشتها، بإهمالها و التغافل عنها و غيرها من سياسات لا يتسع المقال لذكرها تفصيلا، ما جعلها سهلة الاختطاف و توظيف حقوقها المشروعة لهدم الدول ثم تمزيقها لدويلات؛ و كان جواب السفير حقيقة مفاجئا، و مفاده أن الجزائر فعلا كانت مستهدفة مباشرة بعد سقوط سورية،    و أن المراجع التي ذكرتها صحيحة، لكن الخطط تتغير وفق مصالح صُنّاعها، و من بين المتغيرات أن المملكة السعودية تقدمت على الجزائر في ترتيب الاستهداف، بمعنى أن السعودية باتت هي الهدف الأول بعد سقوط سورية؛ لا أنكر أن المعلومة (و ليست قراءة) التي قدمها السفير كانت صادمة و ليست مفاجئة، ففي النهاية كل الدول العربية المهمة في مرمى نار هذا التخطيط.

تذكّرت هذا المجلس، لحظة إعلان ما سمي "عاصفة الحزم”، و ارتفع لدي التساؤل: هل فعلا استدرجت القيادة السعودية لفخ في اليمن، يأتي في نهاية الأمر على الجزيرة العربية و على رأسها السعودية؟         و بات التساؤل ملحّا كلما تسربت مقالات لكبار الكتاب في الغرب، و على استحياء (أو تخوف من تبعاته) شديد لدى المفكرين العرب؛ ذلك أن المملكة السعودية دولة عربية مركزية، و لها أوراق قوة متى استقلت بقرارها، أو لنقل متى أرادت أن توظفها لصالح الأمة، فلا شك أنها تشكل خطرا جديا على المصالح الأمريكو-غربية، و من بين هذه الأوراق القوة العسكرية و ترسانتها التي نشاهد اليوم بعض صورها؛     و مسألة الاستدراج نحو تحطيم هذه القوة العسكرية ليست جديدة، فإذا استحضرنا السياسة الأمريكية مع الرئيس صدام حسين، لا نجد الأمر مختلفا من ناحية الجوهر و الهدف، فقد دفعت الأمور 1990 إلى نقطة استشعار العراق بأن الكويت باتت تهدد فعليا أمنه القومي، و هو الذي يملك ترسانة و قوة عسكرية الجميع يذكر، أنها في عامها كانت تصنف من الأوائل في العالم، تماما كما يروج الآن فيما يخص السعودية،      و في الحالتين هما قوتان تشكلان خطرا لابد من تفريغهما خارج دائرة الصراع العربي-الإسرائيلي، قبل أن تحدث أي مفاجأة؛ و اللافت هنا أن الولايات المتحدة استدرجت صدام حسين لاحتلال الكويت،  بعد أن أعطته الضوء الأخضر للإقدام على هذه الخطوة، و ما كان للسعودية أن تقدم على عدوانها العسكري على اليمن دون موافقة الولايات المتحدة، بل لقد صرح -كما سبقت الإشارة في مقال سابق- السفير السعودي بأن العملية كانت بتنسيق و تخطيط مع أمريكا منذ شهور، قبل حركة الحوثيين و غيرها من ذرائع ترفع اليوم؛ ليس بالضرورة أن يكون المشهد صورة مطابقة بكل التفاصيل، و إنما ما يدعو للقلق أن الخطوط العريضة هي ذاتها تقريبا.

ما يجعل هذا التساؤل مشروعا و أكثر موضوعية، هو الإجابة عن السؤال التالي: ما الفائدة التي تجنيها عاصفة الحزم غير استنزاف الترسانة العسكرية السعودية؟ وفق التجارب السابقة فإن القصف الجوي لن يحقق على الأرض شيئا يذكر، بل ما جرى على العدو الإسرائيلي من تبعات قانونية للضحايا و تدمير البنى التحتية، هو نفسه سيلاحق القيادة السعودية، و ها نحن نعيش الأسبوع الثالث من غارات جوية تجاوزت اليوم وفق الناطق باسم العاصفة 1200غارة، و لا يرى العالم سوى جثث الأطفال و النساء       و المدنيين، تنتشر صورها عبر وسائط التواصل الاجتماعي، بشكل صادم و صاعق فرض على الأمم المتحدة الخروج عن صمتها، و أجبر الفضائيات الغربية على فتح ملفها، و دفع بارتفاع الأصوات داخل برلمانات اوروبية مثل ألمانيا و بريطانيا منددة بما يحدث، فضلا عن المظاهرات في كل من القاهرة      و بيروت  و لندن و باريس و واشنطن؛ مع ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين، الذي يتراوح بين الألف     و ألف و ثمانمائة ضحية، و من المؤسف حقا أن تكون معادلة إن لم تتجاوز، عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي 2014 على قطاع غزة خلال الأسبوعين الأولين من العدوان، بما فيها نسبة الأطفال؛ لا شيء تحقق من أهداف العاصفة، بل يمكنني القول لن يتحقق منها شيء على الإطلاق.

هذه الصور المأساوية أدوات فتاكة، يمكن لمن استدرج السعودية لهذا الفخ، أن يستخدمها في استهدافها من الداخل بزعزعة الجبهة الداخلية، و كذلكم على الساحة الدولية، فتصريحات وزير الخارجية لدولة الإمارات، أو رئيس اتحاد برلمانات العرب، تكشف بالفعل بأن قادة هذا التحالف لم تكن لهم إلا الولايات المتحدة داعما لهذه الخطوة الخطيرة، و أن كل الدول الإقليمية ذات الثقل و التأثير، ليس فقط لم تكن في الصورة، و إنما تتنصل من أي دعم، و لعل الشعور بالصدمة الذي عبرت عنه تلكم الشخصيات الرسمية، يعكس في مقلب آخر، واقع فشل إقناع القوى المعول عليها بسلامة هذا الخيار، الذي كان مفاجئا لهم هم كذلك.

لقد دعونا هنا منذ عام قيادات دول الخليج لمراجعة سياساتها حيال العالم العربي، و لن نمل من تكرار هذه الدعوة، فما وعدوا به الأمة لم يتحقق، و ما كنا نحذر منه نراه اليوم شاخصا؛ الغارات الجوية على اليمن لن تحقق بطبيعتها شيئا مما تعلنه قيادة عاصفة الحزم، سوى مزيدا من صور الضحايا و الخراب التي ترفع مستوى غضب الشارع العربي و الغربي، و كلما مدّد هذا العدوان مراهنة على وقوع معجزة ما، يصب ذلك في مصلحة من اعتبرتهم السعودية العدو الأول، و الدخول في حرب برية كما يدعو البعض   و يهلل لها، لن يزيد المشهد إلا تعقيدا، نخشى أن تكون تداعياته أكثر بكثير من فخ دخول قوات صدام حسين للكويت…. و إن غدا لناظره لقريب