اليسار الأردني الممانع

ظلّ العمل الحزبي الأردني مُذ نشأته عملًا خطابيًا في الدرجة الأولى يقول كلمَته التي كانت تودي بصاحبها أشهرًا في المعتقلات والسجون، إبان مدة الأحكام العرفية، وظلّت الاجتماعات السريّة ولغة البيانات هي الفعل الرهيب الذي يلهب أرواح الرفاق على مناضد تلك الاجتماعات الليلية مدّعين تقديمها كقربان للإنسانية، فلم يفلح الحزب الأردني على تعدد ألوان كفاحاته وبيارقه في إحداث تغيير مجتمعي نهضوي يذكر على صعيد الاقتصاد والنماء الفكري والتربوي….إلخ، وحين انجلى غبار هاتيك الحقبة من الزمن ظل الفعل الأردني المعارض واليساري تحديدًا يدور في رقعة عمان الجغرافيّة فلا يبرحها، ويرى العالم عبرَ قدحٍ ملؤه من تجاويف النظرية الماركسية وتلابيب تاريخ مناضليه الذين لم يكن من بينهم أردنيون، وللأسف فقد أصاب التّكلس عضد الطرح الحزبي المحلي وأسقطه بالتتابع مع سقوط الاتحاد السوفييتي، فلم يحرّك الرفاق في الأردن ساكنا حيال انهيار مرجعيتهم وانتفاء مربط خيلهم التي منحتهم فرصة الدراسة المجانية في أجمل مناطق العالم، بل لم يقرّوا حتى بمسببات السقوط المدوي إذ ذاك أبسط ما يمكن تقديمه، ولم تسجل لهم تضحيات طوباوية إزاء حرب الخليج وتمدد الامبريالية وانتشار الإسلام السياسي……، في حين كان قد سُجل لهم انتصارات صغيرة في انتخابات مجمع النقابات المهنيّة التي بالكاد شكّلت تجسيما حقيقيا للمعارضة في مدة سالفة؛ فقد ائتلفت جميع خطوط المعارضة وقواها في تحالف كاد استمراره أن ينقذ الحياة الحزبية، ويمدّ في عمرها، ويقيها من التفتت والانحراف عن المسار النضالي المرسوم.

ما لا يكمن تصديقه هنا هو وقوف اليسار الأردني مع نظام الأسد والدفاع عنه، في الوقت الذي يضع فيه الأسد رفاقهم اليساريين في أقبيته اللعينة، ويمنع عنهم حتى الهواء، فكيف لحزب لطالما عرف بالنضال العمالي والوقوف مع المعذبين في الأرض أن يصطف مع ديكتاتور أسهم في دمار بلد عربي كان من الممكن له أن يكون منطلقا لحرب التحرير العربية المنتظرة.