اعتصامات الصحفيين انتصار للسلطة الرابعة!

تسلط الاعتصامات التي قام بها الصحفيون في الصحف الأردنية مؤخرا الضوء على مسألة في غاية الحساسية، الا وهي دور «مجالس الإدارة» في المؤسسات الإعلامية الأردنية.

لا شك بان هدف مجالس الإدارة في المؤسسات عامة هو تحديد سياسة تلك المؤسسسات وضمان حسن سيرها ماليا واداريا.
لكن هذا لا يكفي في المؤسسة الاعلامية. ان مجالس الإدارة في المؤسسات الاعلامية يتوجب عليها ان تضع نصب عينيها تحقيق هدف آخر: هو ضمان تحقيق الاستقلالية، بحيث تقدم المؤسسة الاعلامية خدمة نوعية للمتلقي، خاصة في زمننا هذا، عصر الاتصال الرقمي، الذي تفيض سماؤه بآلاف الرسائل المتنافسة والمتباينة المستوى، ومعظمها يهدد القيم والانتماء والهوية.
نفخر في الأردن اننا استطعنا تطوير مؤسسات صحفية ضخمة من بدايات متواضعة: فحين تأسست الإمارة، صدرت (الحق يعلو) وهي اول صحيفة صدرت في مخيم الأمير عبدالله الأول القادم من الحجاز لتحرير سوريا من الفرنسيين، لكنها كُتبت بخط اليد، ذلك ان الدولة العثمانية «العلية»لم تعمل على تطوير منطقتنا، بل اهملتها ولم تكن تتذكرها الا عند جباية الضرائب او تسخير المواطنين او تجنيدهم. وبقيت الدولة الناشئة بدون مطبعة حتى عام 1923، حين اشترت الحكومة الأردنية أول مطبعة، وطبعت عليها جريدة (الشرق العربي).
ومع تنامي الوطن ونهوضه، توسع العمل الصحفي، وحقق المؤسسية على يد رواد كبار (وقد عملت على توثيق انجازاتهم في كتابين منشورين هما: الموسوعة الصحفية العربية التي أصدرتها منظمة الاليكسو في ستة اجزاء في تونس؛ وفي كتابي: تطور الصحافة الأردنية 1920-1997). وقد أداروا مهنة المتاعب بحنكة عالية.
وعلميا: يصنف الإعلام والصحافة تخصصا من «أصعب» التخصصات، لأن ممارسه يجب ان يتحلى بصفات وقدرات متعددة وعالية. من هنا، يعتبر الصحفي الجيد «ضمير» المجتمع، لأنه يتحسس مشاكله بتجرد، ويفهم طموحاته وتطلعاته، ويراعي مصلحة وطنه العليا ومثله القومية. كيف لا وهو المتخصص بجمع المعلومات التي تهم المجتمع، وتحليلها وفهم ابعادها، وتقديم تقارير صادقة عنها لمساعدة جمهوره على اتخاذ القرار الصائب في زمن اصبحت حياة الانسان ممتلئة بمشاغل الحياة؟ وهكذا يصبح الصحفي الذي يحوز على ثقة جمهوره «قائد رأي» يقود المجتمع بما يحقق نهوض الوطن ونمائه.
ان مثل هذا الصحفي بحاجة لأن يشعر انه بمؤسسة يقوم عليها مجلس ادارة كفؤ، متفهم للعمل الصحفي ومراميه، خاصة في زمننا هذا، زمن المكاشفة الاعلامية، فلا يستطيع اي كان ان يغض الطرف عن دور الإعلام في الحياة. بل ان المعارك تخاض الآن عبر قنوات الإعلام، وتكسب او تخسر بكلمات وصور، وعلى من يحتل موقعا في مجالس ادارة المؤسسات الاعلامية ان يكون على معرفة جيدة بطبيعة العمل الاعلامي، بل وعليه تطوير عمل المجلس ليصل مستوى «هيئة مستقلة» -كما في بريطانيا مثلا في هيئة الاذاعة البريطانية- تحافظ على استقلالية المؤسسة وتقوي من مكانتها ومكانة الصحفيين العاملين فيها.
ان وقفات الاعتصام للصحفيين تصبح انتصارا لحرية التعبير في الأردن حين يتحقق تطوير مجالس الإدارة، فتستعيد الصحافة الورقية مكانتها.