إعدام "جِدي"

قرار إعدام "جِدي" في غزة ليس فقرة كوميدية ضمن هذا العرض الدموي الذي تعيشه المنطقة.
بل هو مؤشر مفزع وحقيقي على الحد الذي وصلنا اليه من رفض الآخر ونبذه، حتى لو كان هذا الآخر مجرد "جِدي" أصيب بخلل هرموني فصار يدِرُّ الحليب، ولم يقم بأي جريمةٍ أخرى !
لكن قرار وزارة الزراعة الفلسطينية كان واضحاً، وصارماً، وهو الإعدام بتهمة أنه " يثير البلبلة ويلحق أضرارا صحية بالمواطنين الذين يشربون حليبه".
و"إثارة البلبلة" هي عبارة تكاد تتفق عليها كل القوانين والمحاكم العربية، حيث وردت في آلاف قرارات السجن والإعدام والاعتقال والتعذيب المكتوبة وغير المكتوبة، كسبب وجيه للتنكيل بشخص يخالف "توجهات الدولة"، لكنها هنا تستخدم لأول مرة ضد حيوان مسكين لا يعرف ما يدور حوله، ولا يفهم سبب كل هذا الضجيج الذي يسمعه، ويراقب بتوجس دخول وخروج موظفي "وزارة الزراعة" الى حظيرته !
الوزارة التي لبست هنا لبوس "النائب العام" وقررت إعدام "الجِدي" لم تفعل ذلك مستندة الى قانون أو نص يجرِّم التيس الذي تختل هرموناته، وتعسَّفت في إصدار حكم جائر على ممتلكات شخصية، لمجرد أنها كما كل السلطات في العالم الثالث تفضِّل الهدوء التام، ولا ترحب بأي ضجيج في "محميتها الطبيعية" وبين "حيواناتها"، وليست مستعدة للتفاهم مع أي "مخلوق" يخرج عن "المسطرة" التي وضعتها، حتى لو كان هذا الخروج مجرد "إدرار الحليب" !
قرار الوزارة مشفوع بتبرير غريب ودموي مفاده ان التيس استحق الإعدام لأنه "قد يؤدي الى إلحاق الضرر بصحة السكان الذين يعتقدون أن حليبه مفيد ويشفي أي أمراض مستعصية ويذهب العقم ويفك السحر"!
إذا "التيس" هنا لا يدفع ثمن "تياسته" هو !! بل تَقرَّرَ إعدامه لأن السلطة ترى ان ذلك أسهل وأريح من تعليم الناس وتثقيفهم ، وإخراجهم من ظلمات هذه الأميّة التي يرتعون فيها !
ولم تفكر الوزارة بحل آخر، مثل ان ترسل الجدي المسكين إلى حديقة حيوانات، أو محمية طبيعية، أو أن تضعه في عهدتها وتتكفل بعلاجه مثلاً، كما لم تفكر بطريقة تكفُّ أذى وفضول الناس عن الجدي المسكين، بل ذهبت لأسهل الحلول: قتل الضحية !
ثم عادت لتنام بهدوء وسط رعيتها الذكية دون "صوت الحليب في السطل" الذي أقض مضجعها !