في سلامة الغذاء وفساد الأخلاق

ما الذي يعنيه إغلاق 2583 منشأة غذائية، خلال العام 2014، بسبب مخالفات تتعلق بشروط سلامة الغذاء، وهي تشكل نحو 6 % من إجمالي المؤسسات الناشطة في هذا المجال؟ الرقم والنسبة يحملان دلالات بالغة، ويؤشران على وجود خلل ينبغي الانتباه إليه بغية تصويب المسار. فوجود مشاكل -نسبيا- في ستة محال أو مصانع، من أصل كل 100 معنية بالغذاء، هو أمر لا يمكن السكوت عنه.
المؤسسة العامة للغذاء والدواء لم تسكت عن هذه الحال؛ فكثفت جولاتها الميدانية وتفقدها لغذاء الأردنيين بما يزيد على 140 ألف زيارة وجولة خلال العام الماضي. ولدى المؤسسة أكثر من 30 ألف إشعار بوجود سلبيات، كما أتلفت نحو 9717 طنا من المواد الغذائية. وقد جاءت حصة المطاعم بما يقارب ثلث هذه المخالفات، فيما توزعت البقية بين المخابز ومحال الحلويات وسواها من محال المواد الغذائية.
ودور "المؤسسة" عميق وأصيل؛ فهي الذراع التي تسعى إلى الإبقاء على غذاء الأردنيين آمنا وسليما. ويسجل لمديرها العام، د. هايل عبيدات، هذه الجدية في العمل والصرامة في الرقابة والمتابعة، باحترافية جعلت الأردن في مقدمة الدول العربية على صعيد سلامة الغذاء، كما الدواء.
يوجد في الأردن أربعة آلاف مصنع للمواد الغذائية، ونحو 40 ألف مؤسسة تتعامل بالأغذية ضمن مراحل؛ تصنيعية وإنتاجية وتسويقية، وفي التوزيع. وفي الوقت الذي ينفق فيه المواطن 30 % من دخله السنوي على الغذاء، تصبح الرقابة أمرا ملحا يمس كل بيت أردني، كما كل مقيم على أرض المملكة.
غير أن الأمر لا يقف عند دور المؤسسات الرقابية، بل يجب أن يتعداه إلى السؤال عن الأخلاق والثقة المفترضة في النشاط الاقتصادي، لاسيما عندما يتعلق الأمر بغذاء الناس وصحتهم.
صحيح أن الذين يعملون في هذا القطاع ليسوا شياطين أو ملائكة، لكن إغلاق عدد يشكل 6 % من إجمالي مؤسساتنا الغذائية خلال عام واحد، يعني الكثير. علما أن هذه هي النسبة التي اكتشفتها عين الرقابة. وأولى الإشارات أن جزئية الثقة المفترضة غائبة عن كثيرين ممن يعملون في قطاعات حساسة وحيوية. ولعل من أبرز أسباب الضعف الاقتصادي -أي اقتصاد، وضمن مستويات متعددة- هو انعدام الثقة أو حتى ضعفها؛ فما هي فكرة السوق المفتوحة والمنافسة إن لم تكن بؤرتها المركزية الثقة، وسلامة شروط العمل؟
تغيير مدة الصلاحية للمنتج الغذائي، أو التلاعب ببطاقة البيان، وتداول أي غذاء قبل إجازته، أو التصرف به بعد التحفظ عليه، وقبل ذلك غياب شروط السلامة والنظافة والتخزين.. كلها أمور تقع في باب الفساد الأخلاقي، قبل أن تصنف كممارسات مخالفة لقانون الرقابة على الغذاء. ومما يدعو للارتياح مؤخرا، أنه تم تغليظ عقوبة تداول الغذاء المغشوش والضار بالصحة في قانون الرقابة على الغذاء، بحيث أصبحت الحبس "مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 3 سنوات" وغرامة "لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار ولا تزيد على 10 آلاف دينار".
ومما يدعو للطمأنينة أيضا أن الثقة بجهود مؤسسة الغذاء والدواء كبيرة، وأن د. عبيدات يحظى بسمعة استثنائية تشمل البلاد بأسرها. وهي دعوة لشد أزر هذه المؤسسة ومديرها وكوادرها كافة، من أجل إنفاذ القانون على الكبير والصغير، وكل من تسول له نفسه العبث والتلاعب بغذاء أطفالنا وصحة كبارنا، حتى يتحقق الردع الذي تسعى النصوص القانونية للوصول إليه في نهاية الأمر