حقائق ضائعة في الثورة
يعيش الإنسان العربي الراهن في حيرة كبيرة أمام تلك الأحداث المتتابعة التي يصعب تسميتها بأسماء واضحة، للغموض الواقع في جوهرها وفي شكلها هل هي صحوة ؟ ثورة ؟ فتنة ؟ استعمار ؟ مسميات كثيرة يصعب تحديد أيها الاسم الذي يصلح لما يحدث الآن.
لقد أتى الغموض من وقوع عدة تناقضات يصعب فهم سياقها . إسقاط بعض الحكّام المستبدين و بذات الوقت الاستنجاد بالمستعمر الأكثر ظلما و طغيانا . إسقاط الحكام بتهم منها تهمة العمالة لليهود كما هو في شأن مبارك، و بذات الوقت طمأنة المسؤوليين الإسرائيليين بعد الإطاحة بنظام مبارك على مستقبل العلاقات بين الدولتين من قبل بعض المسؤوليين المصريين الجدد، فالان يصدق قول المتنبي :
وكمْ ذا بمصر من المُضْحِكات .. ولكنه ضحك كالبكا
ثم هل يصح أن نتقاتل نحن المسلمون مع بعضنا ... و هل نمتلك نحن العرب البديل الأفضل من الخيارات السابقة التي نود التخلص منها ، ام ان البديل سيكون شبيها لاحمد الجلبي بحيث سيكون لكل دولة عربية احمدها أو جلبيها.
ثم ما هو سر هذا التشجيع والدعم الغربي الكبير لقيام هذه الثورات ... هل أصبحت أوروبا و الغرب الأم الحنونة للعالم العربي الإسلامي ؟!
فترى إلى متى ستبقى الصواريخ الأوروبية تطلق على ليبيا بحجة تدمير معاقل القذافي ؟ ستبقى تطلق حتى آخر قطرة خير (بترول ) فيها .
أتراهم يعجزون عن اعتقال القذافي وهو بين الحين والآخر يلقي خطابا جهارا نهارا .. هل تعجز أوروبا و امريكا و حلف الناتو كلها عن القذافي؟؟؟؟
أم إنه سيناريو يشبه سيناريو ابن لادن الذي دمروا به أفغانستان كلها وقتّلوا شعبها المسكين وهم يبحثون عن ابن لادن ثم لما انتهى التدمير ماعادوا يسألون أين ابن لادن.
و هل من استعانوا بالغرب يسمون ابطال ؟ و هل وجود القوات الغربية في ليبيا يسمى تحرير ؟ أم ان الأوائل يسمون أنذال و الثانية تسمى استعمار ؟ اليست هي نفسها القوى التي حررت العراق سابقا من جحيم صدام ليعيشوا في جنات الديموقراطية ؟!
وهذه الفتن العظيمة التي تشتعل بين السنة والشيعة في البحرين ... هل هي ثورة ؟؟ أم حرب طائفية؟ هل يسمي ما يحدث في البحرين ثورة؟ أم هي ليست كذلك ؟ اليس من الممكن ان تكون مقدمة لفتنة طاحنة بين السنة و الشيعة و تمهيد لدخول الخليج بأكمله في حرب مع ايران ، فتستعين فيه كل دول الخليج بامريكا و سيخسر السنة و الشيعة كل ما تبقى لديهم ، فبعد سنوات ستجد الخليج و ايران لا خبز فيهن و لا ماء و لا كهرباء ( لأن النفط كله سيكون تكلفة فاتورة الأسلحة ).
و تلك في اليمن التي ينقسم فيها الشعب الى نصفين و يقتل من هذا و هذا هل يسمى ثورة ، ام حرب أهلية ؟؟؟ أليست هذه حرب أهلية ستمزق اليمن الى شمال و جنوب و شمال مع شمال و سني مع شيعي و الحوثيين و الأحمر و غيرها . . . و غيرها ، ففي اليمن شرارة بدأت لن تطفأ الا بانهاء الروح قبل الأخيرة.
ثم ما حدث في الأردن من اعتصام مئات الأشخاص في الطريق الحيوي الذي يعد الطريق المؤدي لكل أرجاء عمان ( دوار الداخلية كما يعرفه ابناء عمان ) ، فهل يصح عرقلة مصالح الناس بتعطيل هذا الطريق .
فهل هذا الطريق مملوك للمعارضين؟ أم للمؤيدين؟ أم طريق لتيسير مصالح الناس فلا يصح قطعه!
وهل ما حصل هناك يسمى اعتصاما سلميا؟ ام مظاهرة سلمية ؟ ام فوضى ؟ ام نسميه قطع طريق؟
ألا يوجد في الأردن مكان للتعبير عن الرأي سوى الوقوف على دوار الداخلية للقيام بمسيرة سلمية ، فمن منا لا يعرف دوار الداخلية فوقوف شخص واحد فيه ينشر الأزمة في كل أرجاء عمان.
أشك في أن تقبل جمعتهم و الحبيب صلى الله عليه و سلم يقول ( اماطة الأذى عن الطريق صدقة )!
هل هؤلاء الذين كانوا هناك بالفعل يسعون للمصلحة العامة فقط ؟؟؟؟ أم ان لهم أهداف أخرى ، أم هل هم فقط يقلدون و يمثلون ما فعله غيرهم ؟ ام يعتقد بعضهم أنه سيصبح بطلا قوميا الكل يهنئه بالمنصب الجديد بعد نجاح الثورة ؟
أم ان اولئك هم مجموعة من الكومبارس تقوم بدور هامشي و أبطال المسرحية ما زالوا خلف الستار!
ألا يرى هؤلاء أن الأردن يختلف عن كل بقاع الدنيا و أنه اذا ما قامت ثورة سندخل كلنا في ثورات و حروب أهلية و فتن طاحنة ، كل واحد فينا سيركض باتجاه عصبيته أو منبته او عرقه او لونه او منطقته او قبليته او غيرها ؟؟؟؟
ثم أن قامت هل للثورة زمن محدد و نقطة معينة عندها تتنتهي أم ان لها دورة لا تنته كما هو في مصر و تونس فتبدأ بالثورة على الفساد ، و بعدها ثورة لتعديل الدستور ، و يليها ثورة لتغيير الدستور ، و من ثم الثورة على الحكومة ، و بعدها بقليل الثورة على النظام ، و من ثم الثورة لمعاقبة المفسدين القدامى، و ثورة أخرى للقضاء على رموز النظام السابق ، ومن ثم ثورة للقضاء على افراد الحزب البائد ، و من ثم ثورة لتغيير رئيس الوزراء و من ثم ثورة للقضاء على الحكومة الانتقالية ، و من ثم ثورة لمحاكمة مساندي النظام السابق ، و من ثم ثورة على الثورة و هلم ما جرى ..... ، دوامة ثورات لا تنته!
و هناك حكمة تقول ( بعد ان تنجح الثورة يأكل الثوار بعضهم بعضا ) فكل واحد يريد حصته من الغنائم ؟؟ فبعد ان تنصب المشانق للنظام البائد فدائما تبدأ بعدها المذابح للتخلص من اصدقاء الثورة!
وهل فعلا كل من يموت فيها يسمى شهيد ؟ أليس تسمية الشهيد تسمية لها خصوصيتها لا يصح إطلاقها على قتال بين المسلم وأخيه .
ثم اين الأهداف النبيلة في الثورات العربية و التي كلها قامت على شعار ( تداول السلطة ) اليس يقصد به المصلحة الشخصية للوصول الى السلطة ,,,, لم نر احدا ينادي لتحرير فلسطين او تحرير العراق من الصهاينة ؟
و اذا كان تغيير النظام يبرر استحضار المستعمر فالاستبداد مبرر أكثر ، و اذا كان الرئيس الفاسد يسرق نصف المال فالمستعمر لا يبق شيئا!
ثم يجب أن يكون هناك تناسب بين مستوى الثورة ومستوى الشعوب التي تقوم بها .. فإن كانت شعوبا راقية فإن ثوراته حقا ثورات راقية تؤدي إلى الإصلاح والتغيير ، أما إذا كانت شعوبا همجية فإن ثوراتها حتما ستكون همجية تجعلهم يعودون إلى الخلف مئات السنين ، ويخسرون الكثير الكثير في مقابل اللا شيء..
يجب أن نكف عن التفكير الساذج , ونحلل الأمور بواقعية ومنطقية وإلا فأن كل شيء سيضيع .. الدين والهوية والحضارة ضياعا ليس بعده ضياع.
ولذا لا بد من التمييز ما بين المتناقضات التالية التي اختلطت على كثير و اصبحوا لا يروا الفواصل بينها
الاصلاح يختلف عن الفتنة
الثورة تختلف عن الحرب الأهلية
المتوفى يختلف عن الشهيد
القوى الغربية للاستعمار و ليس للتحرير
الاستعانة بالمستعمر نذالة و ليست بطولة