يعقوب زيادين.. الباحث عن العدالة

قبل شهر تقريبا فرغت من قراءة كتاب المرحوم الدكتور يعقوب زيادين (ليست النهايات)، الذي دونت حواراته الكاتبة حنان عساف. اردت ان اشكره على أفكاره وتجربته الغنية المؤثرة التي تركها لنا. اعتذرت زوجته الفاضلة التي ردت على الهاتف بانه متعب. كان الكتاب هدية من الدكتور زيادين لي بتاريخ 4/ 9/ 2013، قدمه لي اثناء زيارة مع زوجتي له في منزله.
مع مشاغل الحياة الكثيرة، تضع كتابا عظيما جانبا، وتنغمس بالامور الصغيرة، حتى يستيقظ وعيك، فتجد الكتاب يحدق بك بعينين متسائلتين، فيستفزك العنوان. تقرأ فيه افكارا نابضة بالحكمة والأمل: «لم أعرف الحقد أو الطائفية يوما، فحياتنا مع الجوار المسلم لم تختلف عنها مع المسيحيين. وعند ذهابي لدمشق لمتابعة دراستي شاهدت الفقر يجلد آخرين غير أهل قريتي الصغيرة النائية، فبقي غياب العدالة هاجسي الدائم.. ».
وتتسارع الأفكار، وخلاصة التجربة الطويلة، لإنسان جلود، ينقطع عنه المال حين عم المحل والجفاف «وأهلك الزرع والضرع في الكرك» فيمضي الطالب في الجامعة اليسوعية في لبنان يومه «بشطيرة واحدة لا يتجاوز ثمنها ربع ليرة لبنانية».
وكان رجل مواقف مستقلة. عارض الغزو العراقي للكويت، فجوبه «بهجوم شرس متعدد الأطراف». وقد لا تفاجأ حين تكتشف ان الرجل المناضل قضى في السجون 12 عاما، لكنه يعترف امام ما رآه في بعض الأقطار العربية انه «لا يبدل النظام الأردني « بنظام غيره.
يذكر والدنا- رحمه الله-في كتابه (أوراق من دفتر الأيام) المنشور عام 2000، في الصورة القلمية التي رسمها يراعه ليعقوب زيادين، ما يلي: «من أعظم المحطات في حياتي انني في عام 1956 رشحت نفسي للانتخابات النيابية في مدينة القدس». وكانت القدس مع الضفة الغربية متوحدة مع الأردن حينئذ. «كانت الانتخابات حرة ونزيهة وكانت المفاجأة انني وأنا أبن الكرك نجحت وفزت بالمقعد النيابي لمدينة القدس بينما لم ينجح عبدالله نعواس ابن القدس. كان ذلك دليلا واضحا على وحدة هذا الشعب.. ».
ونقرأ أيضا في تلك الصورة القلمية الوصف الدقيق التالي لشخصه: «من مواليد قرية السماكية في محافظة الكرك عام 1921، سجل سيرة حياته في كتاب (البدايات) الذي نشر عام 1980. سيرة حافلة بالمتاعب والتجارب. عاش وعرف الشقاء والسجن والمنفى. ولكن عندما تلتقيه لا تلاحظ شيئا من ذلك، بل تلقى رجلا متفائلا مبتسما، لا تنم ملامحه عما يكمن وراءها من عزم وتصميم. أمضى معظم سنوات العمر ينافح عن قضية اعتنقها واعتقد بصوابها. وبعد تلك السنوات الطوال تراه يلقي نظرات نحو الماضي البعيد والقريب، وتلمس انه لا يقف جامدا على فكرة واحدة، بل انسانا يفكر ويتطور ويراجع ويعيد النظر فيما كان وأصبح جزءا من الماضي.. تجربة غنية وحافلة.. تجربة طويلة عريضة خاضها وانتصر عليها. ويحق له ان يعتز بها ويسترجع ذكرياتها».
من سليمان النابلسي، الذين درسه في مدارس الكرك سنة 1933 يقول الدكتور يعقوب: «تعلمت أول درس في الوطنية»؛ وعن وصفي التل: «أدهشتني الروح الايجابية والعقلانية التي كان يتحلى بها»؛ وعن الملك الحسين قال: «تأثرت بتواضعه الطبيعي وشخصيته الجذابة. لا ننسى ما تميزت به حياته من ترفع عن الحقد والضغينة.. هذه صفات لم يشهد الوطن العربي مثيلا لها».
كان يعقوب الزيادين، وسيظل، سنديانة شامخة ومثال للديمقراطية الحقيقية المتأصلة في قلب الأردني.