اردوغان في طهران, أو زيارة.. اليوم الواحد!


 

هبط الرئيس التركي في طهران يوم امس وغادرها في اليوم ذاته, وفق ما كان مقرراً سلفاً, وقبل ان يخرج اردوغان على الايرانيين – والعالم – في نوبة تصريحات غاضبة, بدت وكأنها تمهّد لقطيعة بين القوتين الكبريين في المنطقة – أضف اليهما اسرائيل ولا أحد من العرب بالطبع – اللتين حافظتا على علاقات تجارية واقتصادية نامية ومتطورة, رغم التنافس الشديد بينهما والذي يستبطن عداء تاريخياً بين امبراطوريتي «أجدادهما», رغم اختلافات الظروف والمناخات والتحالفات والاصطفافات و»التقزّم» الذي لحق بهاتين الامبراطوريتين, بعد ان كانتا تُشكّلان محور العالم أو تجلسان على منصة كبار تلك الأزمنة البائدة..
واذا كانت طهران وانقرة قد حرصتا على ابقاء السجال والتراشق الإعلامي بينهما في حدوده الدنيا, على نحو لا يؤسس لمرحلة جديدة من التوتر بينهما, فيما المنطقة تستعد للولوج الى فصل جديد من العلاقات غير المسبوقة في أبعادها وتداعياتها, بعد أن كرّس «اتفاق الاطار» بين مجموعة (5 +1) وايران, معطيات جديدة ستترتب عليها اصطفافات وتحالفات جديدة, فإن التراجع المحسوب او الاعتذار المُبطّن, الذي اظهرته انقرة, لم يكن ليكون لولا «المفاجأة» التي أحدثها اتفاق الاطار في لوزان, والذي كانت تصريحات اردوغان اللاذعة قد سبقت الاعلان عنه, عندما دعا ايران الى «الانسحاب» من اليمن وسوريا والعراق, وغمز من قناتها في شأن نوازع الهيمنة التي تسعى الى فرضها على المنطقة..
ما كان قاله رئيس الدبلوماسية التركية جاويش مولود اوغلو ذات زيارة لايران, من أن الخلاف السياسي بين البلدين لا يفسد في الود قضية, يمكن أن يُشكّل المقاربة البراغماتية التي يتوسلها الطرفان لمنع وصول علاقاتهما الى نقطة اللاعودة, الامر الذي يسمح لهما بمواصلة الالتقاء على الجوامع والمشتركات وخصوصاً التجارية والاقتصادية التي يتوقع ان تصل الى ارقام لافتة بالمليارات (قد تصل الى 30 مليار دولار), رغم وجود ملفات خلافية عديدة, تقف في مقدمتها الأزمة السورية, حيث تُدرك انقرة أن طهران كانت قد اعلمتها صراحة عبر القنوات السرّية وخصوصاً العلنية, أن سوريا خط أحمر, وأن مسألة اسقاط النظام السوري عبر تدخل تركي (او غير تركي) يعني دخول ايران المعركة في شكل فوري, ما بالك الآن, وقد اضيف الملف اليمني الى الخلافات غير القابلة للحل اقله في المدى القريب؟
نحن اذاً امام دبلوماسية الضرب المتبادل «تحت الحزام»، ولكن بمبادرة تُرّكية هذه المرة، بعد ان ظن اردوغان ان هزيمة التحالف العربي لقوات الحوثيين واتباع علي عبدالله صالح, هي مسألة وقت ليس الا، ما يعني أن الفرصة قد سنحت لأنقرة كي تُصفّي حسابات «قديمة» واخرى ماثلة (سوريا) مع طهران, وخصوصاً ان شائعات وتسريبات توالت عند بدء غارات التحالف العربي, بأن مفاوضات لوزان الماراثونية في طريقها الى الفشل وأن الرد الاميركي على هذا الفشل سيكون عسكرياً(..).
لكن رغم ذلك، فان النزاهة تقتضي الاشادة بالطرفين, الايراني والتركي, والمستوى العملي (والبراغماتي ان شئت) الذي وصلته دبلوماسيتهما, والإرث الحضاري الذي يتوافران عليه ما سمح لهما بمغادرة مربع الثأر وتصفية الحسابات ومعادلة إما قاتل أو مقتول، وعقلية الغضب السريع وغير المبرر التي ما تزال سائدة في «المرابع» العربية, حيث ينتقل بَلَدان أو زعيمان او حزبان من مرحلة «الأخُوّة» الى نقيضها في اقل من اربع وعشرين ساعة، وربما يشكل بداية لحروب وانقلابات وتحريض وشحن طائفي ومذهبي حد التحالف مع الاعداء التاريخيين ضد الاشقاء والاصدقاء, على ما نرى ونسمع ونقرأ.. ونتأكد في هذا الزمن العربي.. الاردأ.
صحيح ان أردوغان لم يتخل ذات يوم عن نظرية المؤامرة ولم يغادر مربع الثأر وتصفية الحسابات وخصوصاً مع «العرب» وعلى وجه التحديد سوريا، الا انه يثوب الى رشده ويُعمِل عقله ويُجري حساباته في ما يتعلق بغير العرب وخصوصاً اسرائيل وايران, وان كان «يناصب» الاخيرة المنافسة (اقرأ العداء) الا انه يُدرك وزنها ودورها وقدرتها وقوتها, ولهذا يتعاطى معها بمرونة وبراغماتية والى حد ما بعقلانية تخدم مصالح بلاده الوطنية في المقام الأول، ولا تفرز له عدواً جديداً في مرحلة صعوده السياسي او لِنَقُل.. سعيه الوصول الى ذروة انجازاته السياسية, عندما يُعدّل الدستور ويُغيّر النظام البرلماني الحالي الى نظام رئاسي على الطريقة الاميركية, بما يؤهله لأن يُمسك بكل الخيوط في يديه ويُقيم ديمقراطية ديكتاتورية على وصفها صلاح الدين ديميرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني PKK برئاسة عبدالله اوجلان)، وعلى ضوء ما ستفرزه الانتخابات البرلمانية في السابع من حزيران القريب.
هل نجحت زيارة اليوم الواحد.. ام فشلت؟
ربما يكمن نجاحها في إتمامها والقيام بها وعدم الغائها، وهذا يُسجِّل للطرفين, قد تكون مباحثاتهما متوترة وصعبة وقاسية، الا انها تمت وفق اللياقات والبروتوكولات والسلوك الحضاري الذي يفتقده–من أسف–معظم الساسة العرب في علاقاتهم البينية, بدءاً من مستوى القمة وليس انتهاء بأي نقابة او جمعية اهلية او مؤسسة ثقافية.
عظم الله أجركم.