الأردنيون قلقون
من يقترب من عامة الأردنيين يجد لديهم أمرا لا يجوز إغفاله، وهو حالة من القلق أن تدخل بلادنا، لا سمح الله، في أي مستوى من الفوضى أو التأثير على الحياة الطبيعية. وهذا القلق تجده إن اقتربت من فئات ليست قليلة. وهو ليس خوفا من أمر يحدث لدينا فحسب، بل لأن أمام الأردني اليوم صور حية لشهور من الأحداث التي عاشتها بلاد عربية، بعضها سقط فيها عشرات القتلى وبعضها فقد الأمان في مراحل، وبعضها مثل ليبيا لم تعد ملفا داخليا بل احتلت سماءها طائرات حلف شمال الأطلسي وقتلت ودمرت، وتم تدويل الملف ودخل ذلك البلد في نفق من الدم والانقسام لا نعلم آخره.
الأردنيون اعتادوا الحياة الطبيعية الآمنة، ويقلقنا أي حدث. وهذا ليس نقيضا للعمل السياسي المنضبط الملتزم بأحكام القانون، لكنه حالة إيجابية تصنع جهازا عصبيا حساسا تجاه أي مسار عنف حتى لو كان حدثا طارئا.
هنالك قلق وخوف في أوساط ليست قليلة من أي تطور سلبي على حياتنا. ونسمع من الأردنيين دعوات صادقة إلى الله تعالى أن يحمي البلد وأن يجنبه الشر والفتن، فما جرى في محيطنا العربي من قلق واضطرابات وغياب الأمن أحيانا، وقتل وأسلحة في الشوارع أو ضعف لجهاز الشرطة كما حدث في مصر، أو تهافت للناس على مقومات الحياة أو سقوط عشرات القتلى، كل هذا عمّق الإحساس بالخوف من أن يتحول الأمر العادي والفعل المباح إلى حالة قريبة مما شهدناه في دول شقيقة.
وهناك قلق لدى أهل الاقتصاد والمال والتجارة على أنفسهم، وعلى مجمل الوضع الاقتصادي الذي يتأثر بما يجري حولنا وعندنا.
ما يجري في الأردن ليس استنساخا لأي نموذج آخر، وحق التعبير مقدس، وحديثي ليس في اتجاه بعكس هذا، لكن علينا أن نتنبه للناس، لأن كل من يخرج يعلن أنه يعمل للشعب، وعلى من يحتاج إلى دليل أن يقترب بموضوعية من الناس في المدن والقرى والبوادي.
هنالك قلق ليس حله مصادرة حق التعبير، لكن الحل بالذهاب إلى الطريقة الآمنة للتغيير والإصلاح، وهي الحوار وتفعيل دور المؤسسات الدستورية، لأن استمرار التراشق السياسي أمر يزيد القلق. وعندما يرى الأردني الشوارع مغلقة، ورجال الأمن يملؤون المكان، أو يسمعون عن إغلاق سوق أو دوار، أو يشاهدون خيما في الشوارع، أو ضربا أو أي فعل من هذا، فإن من الطبيعي أن تقفز إلى ذهنه الفوضى وانعدام الأمن وضياع الدولة التي شاهدها في دول أخرى. ودائما يقفز الأسوأ إلى ذهنه، وهو مشاهد الاقتتال والأسلحة على سيارات تجوب الشوارع والناس تبحث عن الأمن والحياة الطبيعية بعد أن كانت تسمع عن إصلاح ومحاربة الظلم.
الحياة الطبيعية حق للمواطن، وإزالة القلق والخوف واجب الدولة وكل الجهات، حتى لا نجعل الناس تكره حتى الفعل السلمي المباح، لأنه قد يكون بداية لما هو غير مباح، فلا يجوز أن نتجاهل قلق الأردنيين وخوفهم لأنهم هم جوهر كل الأمور، فالناس تريد الإصلاح، ومع حق التعبير، والطريق مفتوحة أمام الإصلاح عبر الحوار وليس عبر ما يعمق قلق الأردنيين.