صحفيون بلا رواتب!

بعد عامين، تقترب صحيفة "الدستور" من اليوبيل الذهبي لتأسيسها العام 1967؛ بعد اندماج صحيفتي "المنار" و"فلسطين" آنذاك. لكن تسبق هذه الاحتفالية المفترضة ظروف قاسية تمر فيها الصحيفة، ضمن عنوان أكبر لأزمة تمر فيها أغلب الصحافة الورقية في البلاد. وهي أزمة متعددة الجوانب، لكن المأزق المالي أخطر ما فيها.
مضى أكثر من أربعة أشهر، لم يحصل فيها صحفيون وعاملون في "الدستور" على مخصصاتهم المالية ورواتبهم الشهرية. ويمكن لنا تخيل حجم التداعيات السلبية التي مست المئات من كوادر الصحيفة، بسبب ما لحق بهم من مديونيات للبنوك والمؤسسات الائتمانية، علاوة على ملاحقات قضائية. ولا يعلم أحد المدى الذي ستصله لاحقا هذه التداعيات، لاسيما بعد تسجيل الشركة الأردنية للصحافة والنشر "الدستور" 130 مخالفة حقوقية ومالية خلال العام الماضي، وفقا لوزير العمل د. نضال القطامين. وهو ما يتطلب تصويبا لأوضاع الشركة أو إغلاقها، في حال استمرت المخالفات، كما أكد الوزير ذاته.
هي أزمة مالية وإدارية وتسويقية وتشغيلية، انعكست بكل تفاصيلها سلبا على الصحيفة التي تتحمل ديونا كبيرة، منها 2.5 مليون دينار للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي التي تملك 30 % من الصحيفة؛ في الوقت الذي بيعت فيه الأرض المقامة عليها الشركة الأردنية للصحافة والنشر، وأصبحت ملكا لمؤسسة "الضمان".
أما صحيفة "الرأي" التي تأسست قبل 44 عاما، فهي اليوم في حال تعثر إداري ومالي لا يمكن السكوت عليه، لاسيما بعد إقامة مطبعة بكلفة 40 مليون دينار قبل سنوات، لم تتم الاستفادة منها حتى اليوم. وتكبدت الشركة، تبعا لذلك، أعباء مالية تنوء عن حملها. بينما تتشابه المشاكل المتعلقة بفوضى التعيينات والأحمال الزائدة والتدخل الحكومي في "الرأي" مع تلك الموجودة في "الدستور"، وسط مطالبات ملحة اليوم بتنفيذ هيكلة تتخلص من كل هذا، عبر إعداد خطة استثمارية قابلة للتطبيق لإنقاذ الصحيفتين من المخاطر التي تحيق بأغلب الصحافة الورقية في الأردن.
هناك أصوات طالبت بتدخل الحكومة للإنقاذ، لاسيما بالدعم المالي لصحيفة "الدستور". لكني لا أرى نجاحا في هذا الخيار، خصوصاً أن أساس المشكلة هو وجود الحكومات في ملكية هذه المؤسسات. فمؤسسة "الضمان" التي تملك حصصاً في الصحيفتين، لم تتمكن وغيرها من المساهمين الكبار من العبور بهما إلى بر الأمان. علاوة على فإن حالة الفشل التي لحقت بالشأن الإداري وكذلك المالي في الصحيفتين، مرت تحت عين "الضمان"، فكيف يكون المنقذ من كان شريكا في تدهور أوضاع الصحيفتين؟
في كل الأحوال، لا يصلح أن تبقى ملكية المؤسسات الصحفية بالطريقة التي درجت عليها في الأردن خلال العقود والسنوات الماضية. ولا يجوز أن يكون للحكومات صحف في عهد الخصخصة والقطاع الخاص. ويجب أن لا يدفع العاملون والصحفيون ثمن هذا الفشل الإداري والمالي المتحقق في عدد من صحفنا اليومية، بينما يستمر صراع الكراسي في أروقة تلك الصحف.
أسعار الإعلانات، وتوجهات الأسواق الجديدة، والطلب على الصحف الورقية؛ وفي المقابل انتشار الإعلام الإلكتروني ووسائل الإعلام الجديد، كل ذلك يدعو إلى تحقيق مراجعة واسعة للوقوف على واقع الصحافة الورقية المحلية، تمهيدا لتهيئتها من أجل التكيف مع المراحل المقبلة، فلا تبقى الصحف بشكلها الحالي على مسار التعثر، ويتسنى للصحفيين والعاملين في المؤسسات الصحفية أن لا يكونوا ضحايا أخطاء وحسابات "الكبار" في الشأن السياسي والاقتصادي.