«المبادرة الفرنسية».. هل تسرق الأضواء؟

فجأة.. بل هي ليست صدفة، ان يتزامن اعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس استعداده لاستئناف المفاوضات مع اسرائيل بشكل فوري وبلا شروط مسبقة، مع عودة الحديث عن قُرْب طرح باريس «مبادرتها» التي طال الحديث عنها، التي كانت لوحّت بها خلال طرح المشروع «العربي» على مجلس الامن، والذي يُحدّد فيه مدة زمنية لقيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود الرابع من حزيران 67، مع تعديلات على الحدود وتسوية «عادلة» لمسألة اللاجئين.
الآن.. عادت مسألة استئناف المفاوضات على رأس جدول أعمال السلطة، بعد ان كانت (المفاوضات) توقفت لأن حكومة نتنياهو التي لم تُوقف الاستيطان، احتجّت على خطوات السلطة «احادية الجانب» للانضمام الى منظمات دولية، وخصوصاً في منع «توريد» الاموال التي تجبيها لصالح السلطة وفق اتفاق باريس الاقتصادي سيء الصيت، على نحو بدت «حكاية» الأموال هي الشغل الشاغل للسلطة، بدليل التصريح «الطازج» الذي «هدّد» فيه عباس اسرائيل بملاحقتها امام محكمة الجنايات الدولية، اذا «لم تقم» بالافراج عن هذه الأموال.. وكأن الضجيج المُبالغ فيه حول انضمام «فلسطين» رسمياً لعضوية هذه المحكمة اعتباراً من اول نيسان الجاري، لم يكن الاّ لتحصيل الاموال وليس سوق مجرمي الحرب الاسرائيليين من عسكريين وخصوصاً سياسيين، الى العدالة، وابراز حجم التضحيات الفلسطينية والانتصار لضحايا العدوان الصهيواميركي المتواصل على فلسطين وشعبها منذ ستة عقود ونيف..
وإذ تُبدي الأوساط الاسرائيلية - كعادتها - تشكيكاً في النيّات الفرنسية الكامنة خلف طرح مشروع كهذا امام مجلس الأمن، على نحو يبدو لمتابع الشؤون الصهيونية، ان المشروع الفرنسي سيشكل اختراقاً وقفزة نوعية في اتجاه «محاصرة» اسرائيل ودفعها الى الحائط واجبارها على الاعتراف بحل الدولتين واقامة دولة فلسطينية (بعد أن تنكر نتنياهو لحل كهذا، ورآه غير واقعي وغير قابل للتطبيق)، فان التدقيق في نصوص «المبادرة» الفرنسية، تزيد من القناعة بأنها مبادرة «ملغومة» تريد شراء المزيد من الوقت او تبديده، فضلاً عن رائحة «الاحتيال» والتضليل التي تفوح من احد نصوصها وبخاصة ذلك الذي يتحدث عن قرار تقسيم فلسطين الى دولتين.. (القرار 181) احداهما يهودية- انتبهوا للتسمية - واخرى فلسطينية, دون أن يدعو هذا المشروع الفرنسي الخبيث، الى تطبيق كامل نصوص القرار (الظالم وغير الشرعي) والذي لا يعطي لدولة «اليهود» المقترحة سوى 52% من مساحة فلسطين التاريخية, فضلاً عن ان هذه النسبة المُجْحِفَة بحق الشعب الفلسطيني، لم تكن على ترابط جغرافي, كالذي كانت عليه اسرائيل عشية عدوان الخامس من حزيران, ما بالك ان «العدالة» الفرنسية المتأخرة (اقرأ المشكوك فيها اصلاً) تتحدث عن الاراضي المحتلة بعد حزيران 67 مع تعديلات وضم وخصوصاً ضرورة الاعتراف الفلسطيني, بالأمر الواقع (الاسرائيلي بالطبع) كما تشكّل على الارض الفلسطينية طوال نصف قرن من الاحتلال.
هنا والان تحضر الشكوك الاسرائيلية المحمولة على تظلّم وشكوى وعويل ودموع تماسيح، من أن باريس وخصوصاً حكومة فرانسوا هولاند التي لحقت بها هزيمة نكراء في انتخابات الاقاليم الاخيرة, تحاول الدفع بمبادرة مؤيدة للعرب (كذا).. وتعتقد الان أن الفرصة مناسبة لتمريرها في مجلس الامن، نظراً للعلاقات «العَكِرَة» مع الادارة الاميركية, كما كتب الدبلوماسي الاسرائيلي المتطرف زلمان شوفال يوم أمس الاثنين في صحيفة اسرائيل اليوم اليمينية داعياً حكومة اسرائيل الى «التركيز على صدّ هذه المبادرة»!!
ولكي نفهم بالفعل لماذا تبدو هذه المبادرة - الخبيثة اصلاً والمنحازة في شكل واضح لاسرائيل - سيئة في أعين الدولة الصهيونية، دعونا ندقق في الذرائع التي ساقها هذا اليميني المتطرف: المبادرة ستتضمن اشارة محددّة، لحدود 1967 وللقدس عاصمة للدولتين ثم (وهذا هو الاهم) يزعم شوفال ان إلغاء حق العودة غير موجود في مشروع القرار, وكذلك -والقول له- الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية, غير موجود في المبادرة, ولم يتردد في الغمز من قناة حكومة هولاند (التي كانت اكثر اسرائيلية من ادارة اوباما في مفاوضات الملف النووي الايراني) عبر الادعاء بأن «الفرنسيين يعتقدون, كما يبدو, انه في اعقاب ما قالته الادارة الاميركية عن الحاجة الى تقييم الاسلوب للوصول الى دولتين, يوجد احتمال أن تُمكّن واشنطن في هذه المرة، من تمرير مشروع قرارهم, حتى اذا كانت الولايات المتحدة نفسها.. لم تؤيده»..
اساليب الخداع والمساومة, المحمولة على غطرسة وسوء نيّة وابتزاز هي ذاتها التي لم تتوقف اسرائيل, ساستها ومن يُنافِقهم في الغرب الاستعماري عن استخدامها ضد الشعوب المقهورة والمظلومة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني, لكن السؤال الاكثر خطورة يكمن في الغموض والالتباس وجوائز الترضية المجانية التي لا تتوقف سلطة رام الله عن تقديمها، سواء لدولة الاحتلال أم لعواصم الغرب الامبريالي, التي لا تختلف جوهر سياساتها ومقارباتها للمسألة الفلسطينية، الا في الصياغة واستخدام اسوأ انواع الاحتيال وإدعاء الحياد.