اخشع أنت في الداخلية

 

 

أسعد أم سعادة؟

 

لا تكاد تخلو دولة أو حضارة من شواهد تمجد وتخلد ذكرى مناضليها الثائرين في سبيل الحرية والاصلاح، ففي المكسيك هناك صرح الثورة الذي أصبح ضريحا لشهداء الثورة المكسيكية، وفي ألمانيا هناك بوابة برادنبورغ الشاهدة على وحدة الشقين الألمانيين. هذا غير أقواس النصر في باريس وإيطاليا، وكلها قائمة لتذكر من نسي وتعيد الدرس على من لم يفهم، وحتى العرب استحدثوا تسمياتهم وأصبح للميادين والدواوير ارتباط بتاريخ الثورة الحديثة، وبالتضحيات العظيمة التي بذلتها ثلة مواطنين لتعيش الأغلبية في كرامة وعدل وحرية.

 

ولا يختلف الأمر عندنا في الأردن وتاريخنا مضمخ بالمجد، واعتصام شباب 24 آذار في دوار الداخلية ما هو الا إحياء لهذه الصفحات الماجدة في رفض الظلم والفساد في أيام نتنسم فيها ذكرى أعظم بسالة أردنية في معركة الكرامة.

 

من يوم الجمعة 25 آذار لم يعد دوار الداخلية وميدان جمال عبد الناصر زنقة نحاول الفرار منها وتجنبها هروبا من الزحمة، بل أصبح مزارا نقرأ فيه الفاتحة ونصلي على أرواح الشهداء الذين يرفرفون حوله في حواصل طير خضر، ونستذكر فيه الدم الأردني الغالي الذي سال وحرمته عند الله أعظم من حرمة الكعبة، نستذكر كم هو الإصلاح غالٍ وكم هو الوطن غالٍ، ونستذكر همة شباب سالت دماؤهم لتسقي محبتهم وولاءهم للوطن.

 

سنذكر في الوقت الذي وقفت أنا وأنت، أو اختبأت في بيتي أنا وأنت، أو سكت عن الحق أنا وأنت، أو لم أعمل للإصلاح أنا وأنت أن رجلا خمسينيا وشابا عشرينيا وضعا حياتهما على المحك وفاضت روحاهما بالألم والشكوى إلى بارئها دفاعا عن حق المواطنين في عيش كريم في بلاد الكرامة والكرماء، ونحن في حروبنا التنظيرية على الولاء والانتماء وشكله وأهدافه ووسائله، وبينما نحن في معارك المناظرة شريفة ونظيفة أو غير ذلك كان غيرنا يمهرون بدمائهم توقيعهم على وثيقة الولاء الأبدي للأردن الذي لم يعرفوا وطنا غيره ولا يرضون عنه بديلا ولا منه رحيلا، وصدق فيهم وصف الشاعر:

 

بلاد مات فتيتها لتحيا

 

وزالوا دون قومهم ليبقوا

 

ففي القتلى لأجيال حياة

 

وفي الأسرى فدى لهمو وعتق

 

في الوقت الذي اختلط فيه الحابل بالنابل والضارب بالمضروب والضحية بالمعتدي، كان في الأفق ملائكة بيض الثياب بيض الوجوه معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوطها جاؤوا ليستقبلوا السعد خيري وابن سعادة علاء، وفوق سماء الداخلية صوت لا يسمعه الثقلان فهو نداء خاص لأصحاب الأرواح يقول: "أيتها الروح الطيبة اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان".

 

في الداخلية هناك براعم تفتحت وهمم تجمعت وحريصون توحدوا وعقلاء التفوا، وهذه أشياء خالدة لا تموت نتذكرها كلما مررنا بدوار الداخلية، وننتظر هطول الخير بعدها وحصاد الإصلاح، وبذا يبشرنا الشهداء سعد وسعادة.