يعقوب زيادين

رجل بحجم أسطورة نضالية رحل عنّا أمس، فيعقوب زيادين ظلّ يمثّل لنا نحن شباب السبعينيات رمزاً للثبات في الموقف، والصرامة في التعبير، والجرأة اللامتناهية في القول، وحين كبرنا وتعرفّنا عليه عرفنا عنه أكثر، فهو الساخر، الخفيف الظلّ.
أبو خليل قضى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، داخلاً إلى سجن، وخارجاً من معتقل، فالجفر عرفه أكثر ممّا عرف غيره، وخبره أكثر ممّا خبره منزله، ولن تنسى صناديق اقتراع محافظة القدس أنّها انتخبته ممثلاً لمقعدها المسيحي، وهو ابن السماكية في الكرك.
أتذكّرنا، مجموعة كُتّاب شباب، منهم: مؤنس الرزاز وابراهيم العجلوني ومحمد سعيد مضية وناهض حتّر وخالد الكركي وعدنان وعدي مدانات والياس فركوح ويوسف ضمرة ويوسف عبد العزيز، نسهر في بيت القائد الشيوعي التاريخي يعقوب زيادين، في منتصف الثمانينيات، احتفاء بخروج هاشم الغرايبة من المعتقل بعد سجن سنوات، حين غمزني أبو خليل، فلحقت به إلى غُرفة مكتبته العامرة. أغلق الباب وأخرج من بين الرفوف نسخة من كتابه الممنوع "البدايات”، وسطّر على الصفحة الأولى منه إهداء حميماً. قبّلته، وأخفيت الكتاب بين ظهري وزنّاري، فقد كان من الممنوعات. بعد أشهر، كان عليّ أن أعيد قراءته، لأكتشف أنّ صفحة الأهداء قد مُزّقت. لم أسأل مَن أزال الورقة، فقد فعلها، أو فعلتها، خوفاً عليّ.
رحل الرمز النضالي الكبير، وترك لنا مدرسة ينبغي أن يعرف أولادنا عن تفاصيلها، وكتباً لا بدّ من إعادة طبعها، وتجربة ستظلّ مفخرة ليس لكلّ أبناء الأردن وفلسطين فحسب، بل لكلّ من ناضل من أجل الحق في العالم كلّه أيضاً.