«شيزوفرانيا» التعاطي مع الرأي

تعاني صحافتنا الوطنية ما تعاني، بفعل ممارسات وقرارات عشوائية لمجالس ادارات تعاقبت عليها أقل ما يمكن وصف قراراتها بالمغامرة، لم تكن مبنية على أسس واضحة ومتينة مما جعل البناء هشاً يسهل انهياره عند أول منعطف صعب.
فصحيفة الرأي تتمتع بخصوصية يعلمها المواطن والمسؤول على حدٍ سواء، فهي منبر وطني حر يحمل رسالة وطن، وهي الذراع القوية التي لا تلين ولا تهادن حين يتعلق الأمر بمصلحة الوطن ومستقبله وأمنه، لكن البعض يصر على أن يُحمّل الرأي ما لا تحتمل في إبعادها عن رسالتها التي ديدنها الانتماء لثرى الاردن الطهور وقيادته الهاشمية، يصلون الليل بالنهار لتكون الرأي بلا رأي أو موقف، حيال ما يجري على مساحة الوطن والاقليم، يريدونها شركة كسائر الشركات تدار بحسابات الربح والخسارة، مجرد أرقام صماء تدار بعقلية التاجر لا حرفاً يضيء سماء الوطن كله.
الرأي رسالة بحجم الوطن أقسم العاملون فيها أن لا يحيدوا عن رسالتها، رغم ما يحاك في ظلمة الليل، من قِبل ثُلةٍ لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، في محاولة بائسة لحرفها عن بوصلة الوطن، فـ «رأينا» لا تعاني أزمة مالية وهي قادرة على الإيفاء بجميع التزاماتها تجاه عامليها ودائنيها الذين حاولوا إغراقها بمديونية لليّ ذراعها، إلا ان جذورها ضاربة في اعماق الأرض عصية على أي مؤامرة شأنها شأن أردننا الذي تحطمت على صخرة صموده كل المؤامرات.
الرأي لا تستجدي دعما حكوميا او عطفا نيابيا، فالمطلوب من مؤسستينا التنفيذية والتشريعية أن تنحازا الى جانب هذه المؤسسات الاعلامية التي تخاطب عقول ابناء الوطن النيرة وتلعب دورا أساسيا في توجيه الرأي العام حيال العديد من الملفات ذات الحساسية «المفرطة» وقلبت مزاج الشارع ازاءها بالحجة والمنطق.
أزمتنا في «الرأي» سببها شيزوفرانيا التعاطي الحكومي مع الصحف، عبر ذراعها الاستثمارية (الضمان الاجتماعي) بصفتها المساهم الأكبر فيها، حين أدخل «الرأي» في مخاطرة غير محسوبة بإنشاء مجمع مطابع في منطقة أم العمد، بكلفة زادت على الـ40 مليون دينار، سوّق في حينه انه مشروع انقطع وصفه سيعمل بكفاءة عالية بطباعة الصحف وكل انواع المطبوعات ليشكل رافداً حقيقياً لخزينة المؤسسة.
ليس مطلوباً من الحكومة أن تقدم معونات الى «الرأي»، بل أن تعالج جزءاً من منظومة الخلل المالي والاداري الذي تم إيقاع المؤسسة به بفعل فاعل، ونُدرك تماماً ان تقديم «المعونة» يعقبه شروط وتدخل مباشر بشؤون الصحيفة وسياستها التحريرية مخالفين بذلك مبدأ استقلالية الصحف التي قال عنها الوزير محمد المومني في جلسة النواب بالأمس، إن الحكومة تعاملت مع قانون نقابة الصحافيين باستقلالية تامة كما قانون استقلال القضاء.
ما يعنينا في نهاية المطاف، أن تتحمل الاطراف المعنية كافة مسؤولياتها تجاه المؤسسة، وأن لا يكون الحل مؤقتاً بالقفز على اجراء هيكلة عقيمة على حساب العاملين، فمن باب أولى ان تتم محاسبة المسؤولين عن تردي اوضاع الصحيفة المالية، وفصل مجمع المطابع عن «الرأي» وإيراداتها وإعفاء مدخلات الانتاج من الضرائب والرسوم، وما تبقى من ملفات عالقة عجز مجلس الادارة الحالي طوال ستة عشر شهراً عن إيجاد حل لها، فالحريصون كفيلون بها.