أزمة اليمن في مجلس الأمن.. ثُمّ إلى أين؟


 

لم تهدأ رياح عاصفة الحزم، ولا تلوح في الافق - حتى الان - اي بوادر للوصول الى نهاية لها، وخصوصاً على مستوى القصف الجوّي الذي لم يُرافقه بعد تدخل «برّي»، رغم ان المتحالفين في هذه العاصفة لا يستبعدون حدوثه، فضلاً عن ان عضوية هذا التحالف لم تتوسع وليس ثمة تفاصيل واضحة عن حجم مشاركة دول هذا التحالف في العمليات التي لا يُضيء عليها سوى الناطق باسمها العميد عسيري، الذي لا يُقدّم هو الآخر معلومات شافية ومفصّلة عن يوميات ووقائع الحرب الجوية هذه-ربما لأسباب عسكرية-وأيضاً لعدم استفادة «العدو» منها.
في إطار هذه «اللوحة» المُسربلة بالغموض والمفتوحة على احتمالات عديدة، يبدو المشهد الاقليمي المرتبط قَسْراً بالمشهد الدولي وكأنه آخذ في الذهاب الى مواجهات غير محسوبة، في ظل التطورات الدولية المتلاحقة وحركة الاصطفافات المتسارعة التي لم تعد خافية على أحد، بعد ان تم «تنفيس» ازمة الملف النووي الايراني والافساح في المجال أمام سيل لا يتوقف من التصريحات والتصريحات المضادة وردود الافعال والسجالات والتمترس خلف مقولات ونظريات يحتاجها ساكن البيت الابيض (الذي لم يتحول بعد الى بطة عرجاء) ورئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية الشيخ حسن روحاني، الذي وإن سَجّل نقطة لصالحه لدى قسم لا بأس به من الشعب الايراني، فإنه لم «يَنْجُ» بعد من رشقات واتهامات معسكر المحافظين الذين يطرحون سؤالاً استنكارياً على الرئيس وطاقمه التفاوضي بالقول: طيب، أين هي الانجازات.. إذاً؟
يخوض الطرفان الاميركي والايراني معركة أعلامية ونفسية ثقيلة في الطريق الى محطة «حزيران» النهائية، ولا يتوقف الناطقون باسميهما - على مختلف صلاحياتهم ودرجاتهم الوظيفية - عن إيراد تفسيرات مناقضة وتستبطن تهديداً لتفسيرات الطرف الآخر وبخاصة في رفع إصبع التحذير والتهديد من مغبة نقض اتفاق الاطار الذي تم التوصل اليه في «لوزان» السويسرية، وهذا ما يلجأ اليه الطرف الاميركي عادة، عندما يريد طمأنة حلفائه او استرضاء الكونغرس، فيما يردّ الايرانيون بتحذير مماثل محمولاً على غمزة أخلاقية وثقة بالنفس وشعوراً بالكرامة الوطنية كالقول: إن الوعد هو الوعد وأننا ملتزمون بما تعهدنا تنفيذه ما لم يخرقه الطرف الآخر.
.. عودة الى الأزمة اليمنية
مساء اليوم الاثنين وفي ساعة متأخرة، ستدخل اطراف الأزمة اليمنية في سجال داخل قاعة مجلس الأمن حيث بدأت ملامح «المُعسكرين» المتقابِلَيْن تتضح على نحو اكثر سطوعاً، بعد ان اتسمت بالغموض او لنقل بالترقب عند بداية انطلاق عملية عاصفة الحزم، ليس فقط بسبب المفاجأة التي لم يكن أحد يتوقعها لأسباب تاريخية واخرى سياسية وثالثة لطبيعة اليمن المتقلبة والمتفجرة والعصيّة على الإخضاع او الاحتواء او الهيمنة، وانما أيضاً لأن الجبال (وليس الرمال) اليمنية خطرة والصعود اليها مغامرة ما بالك ان اليمن الذي كان سعيداً ذات عصور يئن الان تحت وطأة الفقر والبطالة واليأس والانقسام؟.
بعد اسبوعين وخصوصاً بعد الاتفاق «التاريخي» في لوزان (على ما وصفه اوباما نفسه) فإن الأزمة اليمنية، أخذت مساراً آخر ما يزال في بدايته حتى الان، إلاّ انه مرشح للبروز والتشُّكل على النحو الذي شهدناه في سوريا وربما في ليبيا، وبخاصة بعد أن تقدمت موسكو بمشروع قرار يدعو الى «هُدنات انسانية مؤقتة» في اليمن، ما يعني عملياً انها قد تَخلّت او بدت غير متحمسة لمشروع القرار الذي تقدمت به دول مجلس التعاون الخليجي (كانت موسكو قد طلبت دراسته) والرامي الى تنفيذ قرار مجلس الأمن السابق رقم «2201» الذي يُحمّل المسؤولية للحوثيين كونهم لم يلتزموا تنفيذه، كما القرارات الاخرى ذات الصلة.
رد فعل دول مجلس التعاون الخليجي على مشروع القرار الروسي كان قاسياً - حتى لا نقول عنيفاً - لانه اعتبر ان مشروع القرار هذا، إنما جاء لنسف مشروع القرار الخليجي وإفراغه من محتواه، وهو انتقاد يستبطن اتهاماً سياسياً بأن موسكو تميل الى مساندة الحوثيين وانصار علي عبدالله صالح وصولاً الى ايران التي تتهمها دول الخليج بأنها وراء «تمرّد» الحوثيين، ورغبة واضحة منها بالهيمنة على الدول العربية والتحّكم بالممرات البحرية الاستراتيجية كباب المندب، فضلاً عن توسعها على حساب المصالح العربية.
في انتظار ما سيحدث في جلسة الليلة وعمّا اذا كانت «التهدئة» ستُميز النقاشات ام الاتهامات والغضب والتلويح بالفيتو من جانب هذه الدولة دائمة العضوية ام تلك، فإن وقائع الايام اليمنية تبدو دموية ومظلمة ومفتوحة على احتمالات أسوأ، وبخاصة بعد ان لم يعد بمقدور احد تجاهل أبعاد وتداعيات اتفاق الاطار النووي الغربي مع ايران، الذي ما يزال «ماليء المعمورة وشاغل حكوماتها» وسط اجواء غير مسبوقة من التوتر الدولي واستمرار مسلسل الازمات الشرق اوسطية الذي.. لا ينتهي.