يوميات مثقف


تُمِّمَت مَكَارِم الاخْلاق بِأخرِ رسالات الانّبياء الى بَني البشر والتي انْطَلقت استجابةً ربّانيّة لتعبُّدٍ أخلاقيّ نادى السّماء ولم يَكِلّ من فجوةٍ في جَبَلٍ بين شِعابِ مكّة ,حين لَم يُسْعِف صاحِبه في تَفكُّرهِ المُتسائل العميق أجوبةً أرضيّة ضمّت مسرحاً شعرياً تسيّده عمالقة اللغة أو دارِ ندوةٍ جَمَعَتْ كُبراء قَوْم أو حَتّى ساكنٌ أخرَ صَقَلتهُ غزوات محليّة أوقوافِل تجارةٍ أو صَعْلكةِ طُرُق... 

القابضُ على دينه حديثٌ موجّهٌ لأصحاب الاخلاق لمّا كانت قاعدةً للتوّحيد والبيئة الخصْبة التي حَطّت عليها رِسالة السّماء عَظَمَة رِحالَها الاعجازيّة ..وما سيعانيهِ القابضُ هو حاجةٌ دُنْيويِّة بلهث الوحوش أو بداعي الفقر أو بضعف أمّة ما عادت تُبْصِرُ عزّها في دينها فلا تَنْهلُ من كِنْزِ كتابِها ما تَسِدُ به رَمَقَ عطشها الحضاري وتعيد لمجد الاخلاق الجاهلي تَشْريفه الالهيّ...

احترتُ في اوضاعنا المترديّة اخلاقياً الغافلة دينياً ,كيف نتجرّأ ونتحدث عن صِدْقِ ابي بكر في المساء ونتنافس في كذبنا في جلستنا التالية , كيف نتباهى بعدالة عمر ونُقْسِم زوراً في شهادة حق ,كيف نرتجف خوفا من حياء عثمان ووقاحتنا طرحت الحِجاب , كيف استقوينا بِعِلْم عَلَيّ وَضَعِفْنا في تطبيق مبدأ يخشى الله فيه فئة عالمة , كيف جموعٌ غفيرة استبدلت الدعوة الى الله بمقاعد السياسة, وهاهم يفشلون في استرجاع مادة اخلاقية واحدة من ملايين الجينات الحية بعيداً عن الدين, ليستغلوا تارة عاطفة المُسْتَقْبِل في حياكة لاغراض الاستعراض والشهرة وليستخفّوا تارة اخرى بعقله في ترهيب وترغيب قافيته الشرعيّة غير موزونة اجتماعياً..

لقد تَسَبَّبَ في بُعْدنا الاخلاقي عن جذوره العربية تَمَكُّنٌ سياسيّ رعته السلطات الثلاث باحترافية, طبّق نظريات التجويع والخوف منذ عقود ,,,أضاء بيتاً وأطفأ مدينة , رَسَم وردةً وقَطَعَ الماء عن حقول, أعْتَقَ عَبْداً وَكبّل أحرار, وتناوب على مسك عصا السيّد حكومات منتقاة أحْرَقَتْ القيم بداعي الأمْن ودَفَنَتْ الكَرَم بداعي الرأسمالية وَسيّدت أذلاء على أعزاء وأرْهَقَتْ سِمات الرّجولة بقوانين المساواة الخادعة..

قابليّة شعبنا للفسادِ والتَطرُّف عالية , والوسَطيَّة التي يتحدثون عنها بين هذه وتلك تقول لنا :عليك أن تبقى فقيراً , جاهلاً , لا رأي لك , منتمياً رغماً عن انفك , ساذجاً مسروراً حين تصفّق لخطاب , احمقاً مسعوراً حين تُدق الطبول وتُسنّ الحراب,سلّم باِفتائنا تسلم من افترائنا.وهكذا هي حياة هوامش الحضارات حين لم تكن القومية العربية قضية رسمية يوما ما , وحين لم يتحد العرب الّا في الولاء للغرب, وحين أضعنا مفاتيح القدس بين السلام المضلل والأرض الوهمية.

تقفز السياسة بترددات عالية , نداء وطني بتشفيرغربي, ولم نعد نرى سوى فصلين , خريفٌ سقطت فيه أخِرُ اوراق العرب واثمر ربيعه تَطرَف وارهاب, أعاد الغرب فيه تدوير التجمّع الديني المتشدِّد على أراضيه الى أراضينا وأرخى جدائله الديمقراطيّة وسَخِر قائلا : فلتذهبوا ايّها العرب الى الجحيم.

ينادون باللاطائفية وهم ليسوا على سنّة الرسول ولا على مذهب الشيعة, يحتقرون العلمانية ولا يُصَلّون, يتصوّفون في الصالونات ويتعبّدون في المتاجر , يصومون عن الحق ويفطرون على الباطل, يحجّون الى البيت الابيض ويطوفون في روما ويعتمرون اخر النهار في كييف, شربوا من زمزم وعتّقوا النبيذ , ثم هاهم يتفاخرون بالقوة والعظمة وهم أضعف الامم وأسفلها, لم يعد للخوارج عنوان بين هؤلاء ,
وللأردن نصيب , فهنا مؤهلات سياسية أربكت نظريات العشيرة واختزلتها في شخصية شيخ توارث النخوة والغباء في خلية مهجنّة, وظّفوه براتب ديوانيٍّ شهريّ كان يظنّه احتراماً وقد أقرّوه احتقارا, في الاردنّ مؤهلات ثقافيّة أعربت فِعْلَ الاحتلال فعلاً مبنياً للمجهول بحديث شرقيّ النّهر وغربيّه ,أرَّخت معاركَ الرّجولة بعناوين الشّهادة حين وقعوا مقدماً على الاتفاقية والنتيجة والغنائم.
لقد بدأ العدّ التنازلي منذ فترة وهم يتوسدون فضلات الديمقراطية الكاذبة , "خاسرون ويعتقدون أنّهم يُحْسِنون صُنْعا...

القابِضُ على أخلاقهِ كالقابض على أرواحهم .اقبضوا...
shnaikatt@yahoo.com