صحافتنا تحمل لون عيوننا

لا أحد يطالب الحكومة أن تقيل مؤسسة خاصة متعثرة وأن تضخ فيها من أموال شعبنا وأرزاقه، فذلك من أعمال المساهمين والمالكين ومن واجباتهم، أما الصحف اليومية المتعثرة أو التي هي على وشك التعثر، فتلك مسألة أخرى مختلفة كليا.

معلوم للقاصي والداني أن الحكومة هي من تعيّن رئيس ومجلس إدارة صحيفتي الرأي والدستور، وان هذا التعيين ليس حسب الكفاءة كما شاهدنا في حالات مختلفة، وهو تعيين في أغلبه من اجل ضمان أن يتم تنفيذ سياسة الحكومة وتعليماتها وتنفيذ حملات الحكومة عندما يستدعي الحال، وهو كثيرا ما يستدعي.

وصحيح أن الصحيفتين حملتا طوعا وتبرعا ووطنية، لواء الدفاع عن الأردن وسياساته وأمنه ووحدته الوطنية، وأنهما شنتا، حملات ضارية ضد الإرهاب والتطرف وضد أحزاب وشخصيات ونقابات وهيئات من دون أن تحسبا الخسائر المادية والمعنوية أو تحفلا بهما، لقد كانتا كل الوقت سلاحا ماضيا وجبهة كاملة ضد أعداء الأردن ومستهدفيه، وكانتا بأمانة جزءا من منظومة الأمن الوطني بامتياز.

خسائر الصحيفتين تعزى أولا وثانيا وعاشرا إلى التدخل الحكومي المباشر وغير المباشر، الذي ركّب عليهما قيادات مفروضة وكتابا مفروضين وإدارات مفروضة ألحقت الضرر المادي المباشر الكبير بالصحيفتين والضرر المعنوي بالصحافيين الذين تولاهم من ليس له صلة بتفاصيل مهنتهم ودهاليزها.

لماذا كلما نزفت "عالية" تبادر الحكومات عبر عشرات السبل والوسائل إلى مدّها بالتغذية الوريدية وحقنها بالمقيلات ورفدها بالإسناد المباشر في حين أن صحيفتين ارتبطتا بالأردن وكانتا خندقا من خنادق الوطن تلفظان -أو تكادا- الأنفاس الأخيرة ولا نسمع وعدا، مجرد وعد، برد الدين وسداد المواقف الكثيرة الكبيرة التي لهما في عنق من قادتهما قراراته إلى هذه الحال المؤلمة.

جاء الصحافي اللبناني وليد أبو ظهر (توفي عام 2004) صاحب مجلة "الوطن العربي" التي كانت تصدر من باريس إلى بغداد من اجل أن "يقبض" المقسوم السنوي المقدر بمليون دولار، استقبله وزير الإعلام الجديد أحسن استقبال ورتب له حفل غداء مهيبا حضره كبار قادة الحزب والحكومة والمخابرات والإعلام العراقي ثم "انفضّ السامر" ! فقد عاد وليد أبو ظهر إلى باريس وشنطته محشوة بكلمات الشكر العميم والثناء الوفير على موقف المجلة القومي، إلا انه لم يحصل على "المقطوعية" السنوية، فقد صدر عدد المجلة وعدد آخر وليس فيها أية إشادة بالعراق وقيادته ففهم صدام أن خطأ جسيما قد وقع ولما استخبر عنه وجده.

استدعى صدام وزير الإعلام وسأله: كم تساوي أفضل دباباتنا T-72 ؟

رد الوزير وهو يتحسس عنقه: 10 ملايين دولار.

سأله صدام: أيهما أسهل تدمير الدبابة أم تدمير مجلة "الوطن العربي" ؟

رد الوزير: الدبابة سيدي، وأضاف: سأرسل في طلب الأستاذ وليد وسأطيّب خاطره بمليون إضافية.

تميزت صحافتنا الوطنية وخاصة الصحف اليومية على مر العقود وبشهادة الجميع بأنها نظيفة جدا لم تقبض من الخارج ولم تلتزم بغير الأردن وعرشه، وقد أعلنت عشرات القوائم التي شملت أسماء كتاب وصحافيين لم تكن من بينهم الصحافة الأردنية ولا الصحافيون الأردنيون.

يدخل صحافيو وموظفو صحيفة الدستور شهرهم الرابع بلا رواتب ومعظمهم أرباب اسر عليهم التزامات المواطن التقليدية من أجرة منزل إلى أقساط سيارة إلى نفقات الأسرة والأبناء ولا تتحرك الحكومة، ويضرب صحافيو الرأي وموظفوها ويصبون سخطهم وغضبهم على أعضاء مجلس الإدارة ولا تتحرك الحكومة، تتهاوى قلاع الصحافة الأردنية الورقية ولا تتحرك الحكومة.

لا يعقل ولا يقبل الرأي العام الأردني ان تحتضر صحافته التي لعبت دورا مهما في صياغة قناعاته ومفاهيمه وانحيازاته الوطنية وان لا تمد الدولة لها طوق النجاة.

ألآمال معلقة على جلالة الملك لإنقاذ الصحافة الوطنية وإقالتها من عثرتها، فلم يئن بعد تأبين الصحافة الورقية ولن تنتهي رسالة الصحافة الورقية لأجيال وأجيال قادمة، فلحبر الصحف مذاقه المختلف ولورق الصحف حفيفها المألوف ولحروف الصحف جذبها الرفيق ولإعلانات الصحف نداؤها الخاص.