بصراحة.. الأسباب غير مقنعة

يعيد رئيس هيئة مكافحة الفساد د. عبد الخرابشة، على مسامعنا، استعراض المعيقات ذاتها التي قيل لنا سابقاً بأنها تحول دون الفصل في عدد من القضايا المنظورة من قبل "الهيئة" منذ سنوات. فمن بين 170 قضية تحقق فيها "الهيئة"، هناك قضايا كبيرة ترتبط بملفات خصخصة بعض الشركات.
المحزن هنا أن الأسباب التي يسوقها د. الخرابشة باعتبارها عوامل فنية تحول دون البت في بعض القضايا، الكبيرة خصوصاً، كانت قد ذُكرت منذ سنوات على لسان رئيس "الهيئة" السابق سميح بينو؛ من بينها نقص الخبرات الفنية، من قبيل المترجمين القانونيين والخبراء الماليين، إضافة إلى الخبراء القانونيين في تشريعات الدول الأخرى التي وقع الأردن معها اتفاقيات خصخصة شركات وطنية.
لكن هذه الأسباب، وبصراحة، غير مقنعة. فالتعيينات في مختلف المواقع، كما عقود شراء الخدمات، لا تتوقف من قبل الحكومة الحالية؛ فلماذا تعجز، إذن، عن تأمين احتياجات هيئة مكافحة الفساد تحديداً، رغم العلم الأكيد بأهمية عمل هذه المؤسسة، وتأثير منجزها على المزاج العام؟
خلال برنامج "ستون دقيقة" الذي بثه التلفزيون الأردني ليلة الجمعة الماضية، حاول د. الخرابشة نفي وجود قصور في هذه الناحية، مبررا عدم توفير الاحتياجات الفنية بأسباب بيروقراطية، وذلك في مسعى للتقليل من صدمة المشاهدين من المعلومات التي أوردها حول فشل حكومة د. عبدالله النسور في تأمين الكوادر المطلوبة للفصل في ملفات الفساد التي شغلت وتشغل الأردنيين.
إذ لطالما كان الفساد، كبيره وصغيره، قضية حساسة لدى المواطن الأردني. بل ويمكن القول إنه كان الدافع الأكبر وراء إثارة حفيظة هذا المواطن وتفجير غضبه في حقبة محددة؛ في تعبير عن الحرص على المال العام، وإدراك مقابل لمدى تهاون الحكومات المتعاقبة في محاسبة الفاسدين في القضايا الكبرى خصوصاً.
ولا أدري كيف يمكن لحكومة د. النسور تفسير هذا القصور، الذي يوجه رسالة في غاية السوء بشأن النوايا الحكومية على صعيد طي ملفات الفساد! إذ كيف لأردني أن يقتنع بأن الحكومة عاجزة عن تأمين الخبرات الفنية المطلوبة، فيما هي تمرر تعيينات لمستشارين وخبراء في أكثر من موقع؟!
وإذا كانت الحكومة عاجزة فعلاً عن ذلك، فيمكنها طلب العون من الأردنيين أصحاب الخبرات الكثيرة، والمنتشرين في مختلف دول العالم. والثقة مؤكدة أنهم سيهبون للمساعدة، ومجانا، لشدة اهتمامهم بمعرفة مصير أموال وطنهم التي هي أموالهم، وحرصهم على إغلاق ملفات الفساد التي ما تزال عالقة لأسباب غير منطقية ولا مستساغة.
إن التراخي في مكافحة الفساد، كما تؤكده الأسباب المكررة منذ سنوات على هذا الصعيد، إنما يعكس لامبالاة رسمية إزاء الفساد والحرص على استئصاله. كما يُظهر، في الوقت نفسه، مزاجية في التعامل؛ إذ يصار إلى التقليل من أهمية وخطورة ملفات كبيرة، وصولاً إلى السكوت عنها، لأسباب تتعلق بالمسؤولين المتورطين فيها أو أحد أقاربهم، فيما يتم تضخيم ملفات أخرى طالما أن أحدا لا يقف في صف المسؤول المعني بها، ولا بواكي له. والشواهد على هذا متوفرة.
خطورة هذه السياسة تكمن في تأثيرها السلبي العميق على المزاج العام الذي يعيش تحت شعور بأن الحكومة غير جادة في محاربة الفساد، في الوقت الذي يزداد سوء أحوال الناس المعيشية، وهو ما يوسع بالنتيجة دائرة الفساد في أحاديث العامة وانطباعاتهم، من دون أدنى دليل في أحيان غير قليلة، ولتصبح القناعة استفحال الفساد، بدرجة تفوق كثيرا حجمه الحقيقي.
الفساد قضية تثير الشجون. والحد من تبعاتها يتطلب من الحكومة اتخاذ كل إجراء لإغلاق الملفات القائمة، أو العالقة، بشكل مقنع وشفاف؛ وذلك بدلا من ترك الباب مفتوحا للإشاعات، وبالتالي توسيع دائرة الشك في نوايا محاربة الفساد، وأهم منها في صدق وعود النهوض بحياة المواطن.