دولة ايرانية وميليشيات عربية ...
لطالما كانت ايران تؤكد بأنها لا تريد امتلاك سلاح نووي ، وأن منشآتها النووية هي للاستخدامات السلمية المتعلقة بتوليد الطاقة فقط ،وبالتالي لا ضير من التعهد واصدار الفتاوى التي تؤكد حرمة امتلاك السلاح النووي .
الشروط التي فرضتها المفاوضات والتنازلات التي تمت، قدمها كل من الغرب وايران على حد سواء ، الا أن نظرة محايدة للأمر تستطيع أن تبصرنا بأن ما تم هو خطوة في مسيرة التقدم والتطور وبناء الدولة الحديثة في ايران والتي بدأت منذ الثورة الاسلامية عام 1979 .
استطاعت ايران ، من خلال المفاوضات ، انتزاع اعتراف أمريكي غربي بحقها في امتلاك التقنية النووية السلمية، وقدمت تنازلات في سبيل ذلك ، الا أن الغرب قدم تنازلاته أيضا ، ورضخ لحقيقة وحيدة كانت تصر عليها ايران ، وهي حقها في امتلاك التقنية النووية السلمية ، وفصل ملف التفاوض عن باقي الملفات والقضايا العالقة في المنطقة ، حيث نجحت ايران في ذلك بامتياز .
فالعبرة والنتيجة ليست بالحصول على القنبلة النووية ، ولكن في العقل الايراني الذي تمكن من امتلاك التقنيات العلمية الحديثة ، والقادر على الحصول على أفضل الأسلحة ، واستخدامها اذا لزم الأمر ، دفاعا عن السيادة والقرار المستقل وتحقيق نهضته الاقتصادية ، بعيدا عن سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي . .
من حق دولة الكيان الصهيوني أن تبدي الانزعاج والقلق اثر هذه النتيجة ، فايران سترفع عنها العقوبات الدولية ، ما يتيح لها مزيدا من التقدم والتطور والتحديث في سبيل تحقيق التنمية الشاملة ، دون أن تعترف بحق دولة الكيان في الوجود ، فالصهاينة ما زالوا محتلين لأراضي فلسطينية وارتكبوا أبشع المجازر وسياسات التهويد والتشريد التي لم يأت التاريخ بمثلها ، وهذه مسألة مبدئية بالنسبة للاستراتيجية الايرانية .
النتيجة الباهرة ، والتي نستطيع من خلالها توصيف ما حدث ، بغض النظر عن القراءات السطحية للموضوع ،وتعداد التنازلات التي قدمتها ايران من تخفيض أجهزة الطرد المركزي والمراقبة الدولية ....الخ ، الا أننا أمام حقيقة واحدة لا جدال فيها ، ان ايران الحديثة المتطورة تكنولوجيا ، ذات القرار السياسي المستقل والداعم لحركات التحرر في المنطقة ، حققت مفهوم الدولة الحديثة المتطورة ،بالرغم من المرجعية الدينية ، و التي تملك استقلالا يمكنها من انتهاج سياسات توافق مبادئها وعقيدتها في اطار استراتيجي مفهوم وواضح .
المفارقة المؤلمة في موضوع الاتفاق الايراني الغربي ، هو ذلك التوافق الباعث على الفجيعة ، بين العرب ودولة الكيان في الانزعاج من الاتفاق، وابداء التخوف غير الواقعي منه، والعزف على لحن الدولة الفارسية المجوسية التي تريد تشييع المنطقة . فمن سخريات هذا الواقع المرير ان سيء الذكر نتنياهو أبدى بدوره قلقه على الطائفة السنة في العالم العربي !!! وهو موقف يدخلنا في أجواء من الكوميديا السوداء التي يتقنها العرب دون سواهم ، وهي تفتح لنا هوة سحيقة حول درجات الانحطاط التي وصل اليها الفكر العربي .
ايران دولة ذات مرجعية دينية ، صحيح ، قامت على مبادىء الثورة الاسلامية ، التي تعتبر أمريكا الشيطان الأكبر ، وتعتبر دولة الكيان دولة طارئة في المنطقة ، بعكس العرب الذين اعترفوا بدولة الكيان ولم تعطهم في المقابل أي شيء .
استراتيجية ايران ، واضحة ومفهومة . هويتها مقروءة . وهي ليست دولة حادثة ولا هجينة . دولة غير تابعة ، تسعى لتطوير اقتصادها وجيشها ، في سبيل تحقيق رفاه شعبها ، لديها أفكارها ، مبادئها ، عقيدتها ، التي لا تخجل من الترويج لها ، ولديها مصالحها ، التي لا تداري في الافصاح عنها ، نهجها السياسي واضح في التعامل مع حلفائها ومع أعدائها ، لديها ثقة بقوتها وقدرتها على الدعم والمجابهة ونصرة حلفائها .
هي دولة عرفت ماذا تريد ، فتقدمت، وتراجع العرب ، واستطاعت تحقيق مفهوم الدولة الحديثة المتطورة ، في مقابل مشهد عربي مفكك ، تشوبه النزاعات البينية ، مذهبيا وطائفيا ، وضياع الهوية الجامعة ، والتبعية في كافة الجوانب الحياتية ، وعدم القدرة على بناء علاقات سوية مع جار تاريخي واتخاذه كحليف استراتيجي نصير للقضايا العربية .
لقد سئمنا من مشاهدة الميليشيات العربية، ذات العناوين المذهبية الرجعية ، التي تعيث فسادا وتدميرا وتفكيكا ، والتي أشبه ما تكون بمجاميع كومبارس يتم توظيفها بفنيات هابطة ومكشوفة .
ازاء هذه المتغيرات ، فان القوى والأدوات الرجعية ، لن تصمت ، وقد ترتكب حماقات عديدة في قادم الأيام ، تتمحور على تسخين جبهات القتال في سوريا ولبنان ، وتسريع وتيرة التدمير، بمشاركة صهيونية مباشرة وواضحة .