حقيقة 24 اذار
حقيقة 24 آذار
_ (مسرحية 24 آذار ... الحقيقة والوهم)
بدأت مسرحية الثورة الأردنية عرض أول فصولها يوم الخميس 24/3/2011م، والتي كتب نصها شباب ما عرف ب (24 آذار)، والذين مثلوها بأنفسهم على ميدان جمال عبد الناصر (الداخلية) وسط العاصمة عمان، وشاهدها ملايين الجماهير على مستوى العالم .
الفصل الأول من هذه المسرحية انتهى داميا، بالرغم من روعة ما تم عرضه على مدى يومين أثناء تمثيله، أو بحسب إحدى تصنيفات الفن لنهايات المسرحيات والقصص في العادة والتي يمكن أن توصف بأنها (مأساة أو ملهاة)؛ فإننا نستطيع القول : أن نهاية الفصل الأول من مسرحية الثورة الأردنية كان مأساويا .
وبعد انتهاء هذا الفصل المأساوي، بدا الجمهور الأردني صاخبا على ما حدث ومنقسما على نفسه، ما بين مؤيد لشباب 24 آذار وما بين معارض لهم، ما بين من يعتبر الاعتداء على المعتصمين جريمة نكراء ارتكبتها الحكومة وما بين من يعتبره انتصارا للحكومة، والأهم من ذلك كله؛ هو مجريات الفصل القادم من هذه المسرحية، والذي على ما يبدو أنه لن يكون بأفضل حال من سابقه إن لم يتدارك الموقف، وعلى كل الأردنيين دون استثناء بما فيها الحكومة نفسها .
وبالنسبة لنا فسنقدم مجريات ما حدث خلال يومي الخميس والجمعة المنصرمين، بصفتنا من الحاضرين على تلك الأحداث على مدى اليومين المذكورين. وسيقتصر عرضنا لتلك المجريات، على ما حدث فعلا على أرض الواقع وليس على الأقوال التي قيلت وتقال؛ لأن الحديث عن الأقوال يحمل في طياته وثناياه توجهات وميول وتسييس بل وأوهام وتهيوأت والحكم بناءا على أفكار مسبقة؛ وأيضا بحسب الجهة التي تحدثت عن ما حدث وحسب وسيلة الإعلام التي نشرت الخبر، لكن تقديم الأفعال التي حدثت فقط، فسيعني وضع المواطن والمراقب أمام الحقيقة، وترك الحكم له بنفسه دون تسييسه أو التأثير على تحكيمه العقلي .
أما ما حدث ابتدأ من ظهر يوم الخميس وانتهاء بمساء يوم الجمعة الماضيين؛ فهو تجمع المئات من الشباب الأردنيين ذكورا وإناثا من كافة المنابت والأصول تحت جسر دوار (الداخلية) وتحديدا تحت المنطقة الغربية من الجسر والمخصصة للمشاة وليس للسيارات، معلنين اعتصاما مفتوحا للمطالبة بالإصلاح والتغيير ومحاسبة الفاسدين، وذلك بعد الإعداد والإعلان مسبقا لهذا الاعتصام عبر موقع التواصل الاجتماعي الالكتروني المعروف ب (فيس بوك)، حيث تجمع في اليوم الأول ما يقدر بألفين وخمس مائة شخص هاتفين بعبارات مطالبة بالإصلاح ومحاسبة الفاسدين وإقالة بعض المسئولين، فيما انبرى بعضهم ببناء الخيام التي سيبيتون بها، وتشكيل عدة لجان لإدارة ذلك الاعتصام، وطبعا كل ذلك لم يكن يتعدى حدود رصيف الجهة الغربية من دوار الداخلية، وكانت السيارات تمر من هناك وتلف الدوار، اللهم باستثناء طريق باتجاه واحد والقادم من دوار المدينة الرياضية، عملت الشرطة على إغلاقه قبل منتصف يوم الخميس وحتى الجمعة لأسبابها الخاصة .
وعلى مدار اليومين تمثل الاعتصام ببرنامج منظم، يتراوح ما بين الهتاف والخطب القصيرة والأغاني الوطنية والشعبية والدبكات الأردنية، ونورد لأمثلة على ذلك لزيادة التوضيح؛ حيث كانت غالبية الأغاني التي يغني بها، الشباب هي الأغاني الشعبية الأردنية وأغاني للمحافظات التي غناها المطربون الأردنيون، والدبكة الأردنية والهجيني والسامر الأردنيين، مثلما أن خطاباتهم كانت تحمل الاعتزاز بالوطن الأردني وبرجالات وأبطال الأردن المخلصين، من مثل هزاع المجالي والسجين أحمد الدقامسة، والهتاف لجلالة الملك، في حين أن الذين كانوا يقدمون تلك الفقرات هم أردنيون من كافة المنابت والأصول ومن محافظات متعددة، وكثير منهم (واسمحوا لي على استخدام هذا الوصف ولكن للتوضيح) : من أصل أردني ولا ينتمون لا أحزاب؛ وإنما كان بعضهم يمثل كتابا ومحامين وفنانين وشعراء وأطباء وأكاديميين ومتقاعدين عسكريين ومدنيين وغيرهم من شرائح المجتمع .
وفي تلك الأثناء أيضا كان يقيم في الجهة المقابلة وسط الدوار وتحديدا في المنطقة المخصصة للمشاة أيضا، مجموعة من الشباب المجهولين، لا يتجاوز عددهم المائة تقريبا، يستخدمون مركبة ومكبرات صوت مشابهين لمركبة ومكبرات صوت شباب 24 اذار، ويعملون على الرد على أولئك الشباب والتشويش عليهم، بل وشتمهم، حتى أخذوا يلقونهم بالحجارة بأحجام متعددة . في حين أن رجال الأمن الذين رافقوا تلك الأحداث، عملوا في الساعات الأولى من الاعتصام على توزيع المياه والعصائر على الشباب، وعلى الفصل ما بين الفريقين المعتصمين، بالرغم مما ظل يصل شباب 24 اذار من الحجارة والشتائم .
واستمر ليل الجمعة على هذا الحال؛ اعتصام من جهتين، ورشق شباب 24 بالحجارة والشتائم، دون أن يتم اعتقال من يلقون تلك الحجارة أو حتى الحد من اعتداءاتهم، والتي أخذت بالتزايد يوم الجمعة، مثلما ازداد عددهم حتى فاق على عدد شباب 24 اذار ومن كل جهات الدوار .
ومع عصر يوم الجمعة، وجد شباب 24 اذار أنفسهم مطوقين من كل الجهات، من قبل المئات من رجال الأمن المسلحين بالهراوات، ومن المئات من الشبان المجهولين المسلحين بالحجارة، ليتم محاصرتهم وتضييق الخناق عليهم شيئا فشيئا بما يشبه الإستراتيجية العسكرية المعروفة ب (فك الكماشة)، ليتم بعد ذلك الاعتداء عليهم مباشرة من قبل كل من رجال الأمن والشباب المجهولين بالعصي والهراوات ورش المياه والحجارة والاعتقالات على جميع المحاصرين بما فيهم النساء والطواقم الصحفية، وعدم السماح للضحايا بالهروب أو حتى نقلهم للمستشفيات، حتى بدا مشهد رجم المحاصرين في دوار الداخلية أشبه بما يكون برمي الجمرات في الحج، مع أفضلية كبر حجم الحجارة والرشق من أعلى الجسر لمشهد دوار الداخلية !!!
إلى هنا وينتهي فصل (دوار الداخلية) ... نهاية دامية فاضحة ! مخلفا قتيل والعشرات من الجرحى بجروح مختلفة !!! وتاركا الباب مفتوحا على مصراعيه أمام المتربصين بالأردن، وأمام أصحاب الأجندات الضيقة من المتنفذين، ليقولوا ويؤلفوا ما تمليه عليهم أنفسهم المريضة، بل تاركا الأردنيين منشقين إلى نصفين، دون أن يعلم كثير منهم ما هو الصحيح من الخطأ، ومع أي الفريقين يكون، أو كما قاله محمد عليه الصلاة والسلام : " يأتي زمان على أمتي يصبح فيه الحليم حيرانا" !
وكما أردنا في البداية، فأننا لن نقدم لأقاويل ذكرت وتذكر عن مسرحية دوار الداخلية؛ لان كثير منها ينطوي على مغالطات، ويمكن تصنيفه تحت باب (وضع الحطب على النار) . ولكننا يمكن أن القول : لقد كان شباب 24 اذار غاية في الروعة والرقي والتضحية من أجل الوطن، وشكلوا لوحة فسيفسائية أردنية مبهرة للوحدة الوطنية على مدى يومين وليلة ! وإذا كان الأردنيون لا زالوا يتلذعون مرارة أيلول الأسود واغتيال وصفي التل، ويتمنون طمس ذاك الماضي، فلربما سيندم الأردنيون يوما ما أشد الندم على تضييعهم فرصة 24 اذار إن لم يتداركوا أنفسهم، وإذا ما حصل ذلك فعلا؛ فسيصبح 24 آذار؛ مسرحية يشاهدها ويتذكرها الأردنيون وهم يبكون !
أحمد الربابعة