الإسلام ليس الإخوان المسلمين

"وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة، الآية 42).
سيرد كثير من الإخوان المسلمين بسخرية وإنكار (وهم لا يكذبون في ذلك)، بأنهم لا يحتكرون الإسلام ولا يدّعون أنهم يمثلونه وحدهم. لكن واقع الحال فيما يقوله ويكتبه "الإخوان"، وما تقدمه عقولهم الواعية والباطنة، هو تمثل الإسلام، وتنزيله على الجماعة وأنها الأمة. وتؤكد آلاف الأمثلة أن "الإخوان" يرون أنهم وحدهم المعنيون بالخطاب القرآني، وان ما ينطبق على الرسول ينطبق على أمير الجماعة؛ وأن الآية "وأطيعوا أولي الأمر منكم" التي أسست لتقاليد داخلية تنظيمية حديدية، لا تنطبق على أولي الأمر من غير الجماعة.
تصوير خلاف تنظيمي بين "الإخوان" وكأنه صراع بين الإيمان والكفر، وأن فئة من الجماعة يمثلون محمد بن عبدالله والآخرين يمثلون عبدالله بن أبي سلول، يؤكد حالة من الانفصال العميق عن الواقع، وشعورا مرضيا مخيفا باحتكار صفة الإسلام؛ هذا الفكر أسوأ من "داعش". وليس العنف والكراهية المنتسبان إلى الدين سوى ثمرة من ثمار هذا التفكير العصابي. أما كتب محمد أبو فارس، فهي مليئة بالنماذج والأمثلة والفتاوى التي تعتبر الإخوان المسلمين كأنهم الجماعة الإسلامية الوحيدة في محيط جاهلي (كافر بدون تصريح). ثم يقتبس "الإخوان" من سلوك الرسول والصحابة بمكة في الدعوة والخطاب، ليطبقوه كما لو أن المجتمعات المحيطة هي كفار مكة! ولا تقف الأمثلة عند ما يُكتب وينشر؛ إذ إن السلوك العام، المعلن والسري، يؤكد على أن "الإخوان" يعيشون حالة امتلاء شعوري مهيمن بأنهم الحق الذي تنطبق عليه الآيات والأحاديث، والنماذج العملية والأحداث التاريخية في السيرة النبوية وسير الأنبياء والتاريخ الإسلامي. أما الحديث عن القوانين والالتزام بها والولاء للدول والأوطان، فهو أمر غير وارد، ولا يمكن المغامرة بطرحه أو الهمس به في داخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين. ومسألة البيعة في الجماعة هي أيضا قصة أخرى كبيرة وخطيرة.
على أي حال، فليس المقصود في هذا المقام انتقاد "الإخوان"، ولا إثبات أو نفي ما قيل، لكنها أمثلة للتأكيد على الحاجة الكبرى والملحة لأجل الإخوان المسلمين أولا، ثم الدعوة الإسلامية والأوطان والقضايا والمصالح، لضرورة أن يلتزم الإخوان المسلمون، وغيرهم بالطبع، بعمل علني واضح، مهما كلف ذلك من تضحيات وخسائر. ففي السرية دائما، وعلى مدى التاريخ والجغرافيا، تحدث حتما وبالضرورة الانحرافات الفكرية والعقائدية والفساد والاستبداد والاستدراج والاختراق... وأسوأ من ذلك كله، أن تحولت السرية إلى مبدأ بذاته ولذاته. وبالمناسبة، فإن هذا لا يخصّ "الإخوان" وحدهم؛ فكل الطوائف والجماعات التي تلجأ إلى السرية، تتحول السرية فيها إلى مبدأ أساسي، وتصبح هي (السرية) بذاتها مبدأ دينيا وعقيديا.
هناك فرصة سلمية عظيمة ومهمة اليوم للإخوان لإعادة تنظيم أنفسهم بوضوح وعلانية؛ في العضوية والتمويل والمبادئ، فهم ليسوا (يفترض) جماعة عسكرية ولا سرية، ولا يشتغلون بالممنوعات، ويفترض أنهم لا يخفون شيئا. وتفضيل الشخص/ الجماعة السرية على العلنية في الوقت الذي يتاح له أن يكون ضمن مؤسسات وتشكيلات علنية وقانونية، يؤشر على نوايا سيئة أو أزمات فكرية ونفسية، يجب أن يعالج نفسه منها. وسوف تكون أوهى الحجج وأسخفها هي الخوف من الملاحقة والتضييق، لأن العلنية هي التي تحمي من الملاحقة. وحتى لو حوسب أحد على عمل علني؛ فإن هذا موقفه الذي يعتقد بصحته ومستعد أن يدفع ثمنه بوضوح وعلانية. وإذا كان أحد يعتقد أنه يمكن لتنظيم بحجم "الإخوان" أو بحجم يقل عن واحد في المائة من حجمها أن يكون سريا، فذلك يساوي تماما الاعتقاد بأن السلطة التنفيذية وأجهزتها ومؤسساتها مشغولة بصناعة المخللات!