أين يقع الأردن؟!

إذا ما تجاوزنا الاصطفافات الصلبة القائمة على أسس طائفية ومذهبية في المنطقة، فإن من الصعوبة بمكان رسم خريطة للتحالفات والمحاور السياسية؛ نظرا للتغيرات السريعة التي تشهدها، وكثرة التقاطعات، الظاهر منها والمستور.
حتى وقت قريب، كان هناك تحالفان عربيان إقليميان، في مقابل التحالف الإيراني السوري. لكن التباينات في المواقف من تطورات الأزمة السورية، والحرب على الإرهاب، ولاحقا اليمن بعد قرار السعودية شن "عاصفة الحزم" لضرب الحوثيين، خلطت أوراق التحالفات من جديد.
سلسلة من التغيرات مهدت لهذه التحولات؛ التغيير في السعودية كان في مقدمتها، فشهدنا تقاربا سعوديا تركيا، وتفاهما أكبر بين الرياض والدوحة، ومحاولة لم يتبين مصيرها للتقارب بين حكومة حيدر العبادي في العراق والقيادة السعودية الجديدة.
العاصفة الخليجية والعربية في اليمن لا تعني، بالضرورة، أن خطوط الاتصال مع طهران انقطعت؛ الدوحة ما تزال تصر على التواصل مع إيران، والأردن فتح خطا قويا للاتصال مع طهران، تبعته حملة اتصالات مع قيادات المكون الشيعي العراقي.
في الموقف من الأزمة السورية، يمكن ملاحظة الاختلافات بسهولة؛ خطابات الزعماء في قمة شرم الشيخ أظهرتها على نحو كبير. السعودية وقطر، رغم ما بينهما من تباينات، متفقتان على أن المطلوب هو رأس بشار الأسد. الأردن ومصر يعزفان على لحن آخر؛ حل سياسي عبر آلية تفاوض بين المعارضة والنظام.
الأزمة في اليمن كانت مناسبة إضافية لرصد الاضطراب في خريطة التحالفات. مصر تقاتل إلى جانب دول الخليج، والأردن يكتفي بالمشاركة الرمزية. والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسرع للالتحاق بحلف العاصفة، فيجد نفسه في ميدان واحد مع عبدالفتاح السيسي. من كان يتخيل هذا السيناريو؟
القيادة القطرية التي دخلت في صدام عنيف مع نظام السيسي، اضطرت للمشاركة على أعلى مستوى في قمة شرم الشيخ إرضاء للسعودية. ما الضير بقليل من العناق والقبلات، ما دام ذلك يساعد في بث الروح في العلاقات مع الرياض؟
اضطراب التحالفات لن يقف عند هذا الحد؛ انتظروا المزيد من الهزات الارتدادية إن وقع الزلزال الكبير؛ الاتفاق النووي بين إيران والغرب. لن تصمد الأحلاف أمام التصدعات المحتملة في المواقف. بعض الدول لن يتردد في الترحيب والتهليل بالاتفاق، فيما دول أخرى تعارض المفاوضات من الأساس. سيكون لافتا بحق تطابق موقف إسرائيل من الاتفاقية إن وقعت مع مواقف دول عربية مناهضة لإيران.
الحرب على "داعش" تعطينا مقطعا جديدا لخريطة التحالفات المرتبكة. ثمة دول خرجت فعليا من التحالف الدولي ضد الإرهاب، وأخرى دخلت مثل إيران، من دون إعلان. واشنطن التي تشكل القاسم المشترك لتحالفات الإقليم، لم تعد تعرف أين تقف، ومع من؛ تؤيد الحرب على الحوثيين، وتفاوض إيران. تقاتل "داعش" في العراق بجسارة، وتتردد في سورية بانتظار ولادة معارضة معتدلة؛ لا ترغب في وجود الأسد، وتبدي الاستعداد للتفاوض معه.
الخريطة معقدة جدا وسريعة التغيير؛ ننام على تحالف، ونصحو على آخر. بعض الدول تفرض عليها اعتبارات جيوسياسية أن تنخرط في تحالفين في نفس الوقت، أو أن تتخذ مواقف معلنة غير تلك التي تضمرها.
الأردن في حيرة من أمره. بجد؛ أين يقع الأردن اليوم وسط فوضى التحالفات؟